فصل: فَصْلٌ: (فِي بَيانِ الزَّمَنِ الَّذِي تُقَدَّرُ الْمَنْفَعَةُ بِهِ، وَبَيَانُ مَنْ يَسْتَوْفِيهَا، وَغَيْرُ ذَلِكَ)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***


فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏فِي بَيانِ الزَّمَنِ الَّذِي تُقَدَّرُ الْمَنْفَعَةُ بِهِ، وَبَيَانُ مَنْ يَسْتَوْفِيهَا، وَغَيْرُ ذَلِكَ‏]‏

المتن‏:‏

يَصِحُّ عَقْدُ الْإِجَارَةِ مُدَّةً تَبْقَى فِيهَا الْعَيْنُ غَالِبًا، وَفِي قَوْلٍ لَا يُزَادُ عَلَى سَنَةٍ وَفِي قَوْلٍ ثَلَاثِينَ

الشَّرْحُ‏:‏

فَصْلٌ فِي بَيانِ الزَّمَنِ الَّذِي تُقَدَّرُ الْمَنْفَعَةُ بِهِ، وَبَيَانُ مَنْ يَسْتَوْفِيهَا، وَغَيْرُ ذَلِكَ‏.‏ ‏(‏يَصِحُّ عَقْدُ الْإِجَارَةِ مُدَّةً‏)‏ مَعْلُومَةً ‏(‏تَبْقَى فِيهَا الْعَيْنُ‏)‏ الْمُؤَجَّرَةُ ‏(‏غَالِبًا‏)‏ لِإِمْكَانِ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَلَا يُقَدَّرُ بِمُدَّةٍ إذْ لَا تَوْقِيفَ فِيهِ، وَالْمَرْجِعُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي تَبْقَى فِيهَا الْعَيْنُ غَالِبًا إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ، فَيُؤَجِّرُ الدَّارَ وَالرَّقِيقَ ثَلَاثِينَ سَنَةً، وَالدَّابَّةَ عَشْرَ سِنِينَ، وَالثَّوْبَ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ، وَالْأَرْضَ مِائَةَ سَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ، ‏(‏وَفِي قَوْلٍ لَا يُزَادُ عَلَى سَنَةٍ‏)‏ لِانْدِفَاعِ الْحَاجَةِ بِهَا، ‏(‏وَفِي قَوْلٍ‏)‏ عَلَى ‏(‏ثَلَاثِينَ‏)‏ سَنَةً؛ لِأَنَّهَا نِصْفُ الْعُمْرِ الْغَالِبِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْوَقْفِ وَالْمُطْلَقِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ صُوَرٌ‏:‏ إحْدَاهَا‏:‏ مَا إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ لَا يُؤَجَّرَ وَقْفُهُ إلَّا سَنَةً وَنَحْوَهَا فَإِنَّهُ يُتَّبَعُ شَرْطُهُ عَلَى الْأَصَحِّ‏.‏ ثَانِيهَا‏:‏ إجَارَةُ الْإِقْطَاعِ لَا تَجُوزُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ كَمَا نَقَلَهُ الْغَزِّيُّ عَنْ ابْنِ جَمَاعَةَ وَأَقَرَّهُ‏.‏ ثَالِثُهَا‏:‏ الْمَنْذُورُ إعْتَاقُهُ كَقَوْلِهِ‏:‏ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ هَذَا الْعَبْدَ بَعْدَ سَنَةٍ، لَمْ تَجُزْ إجَارَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الْمُدَّةِ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ؛ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى اسْتِمْرَارِ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ بَعْدَ عِتْقِهِ، بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّ مَنْ آجَرَ عَبْدَ نَفْسِهِ ثُمَّ أَعْتَقَهُ لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ‏.‏ رَابِعُهَا‏:‏ الْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ‏.‏ قَالَ الْبَغَوِيّ‏:‏ إنْ تَحَقَّقَ عَدَمُ وُجُودِ الصِّفَةِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ، وَإِلَّا فَيَجِبُ أَنْ لَا تَجُوزَ كَالصَّبِيِّ، وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ‏:‏ يَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ وَإِنْ تَحَقَّقَ وُجُودُ الصِّفَةِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ لِجَوَازِ أَنْ يَبِيعَهُ فَيَرْتَفِعُ التَّعْلِيقُ، وَبَيْعُ الْمُسْتَأْجَرِ صَحِيحٌ عَلَى الْأَصَحِّ، فَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ كَلَامِ الْبَغَوِيِّ‏.‏ خَامِسُهَا‏:‏ إجَارَةُ الْمَرْهُونِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ عَلَى دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الصِّحَّةِ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا بِأَجَلٍ يَحِلُّ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ أَوْ مَعَهَا‏.‏ سَادِسُهَا‏:‏ إجَارَةُ الْوَلِيِّ الصَّبِيَّ أَوْ مَالَهُ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ أَنَّهُ لَا يُجَاوِزُ مُدَّةَ بُلُوغِهِ بِالسِّنِّ، فَلَوْ كَانَ عُمْرُهُ عَشَرَ سِنِينَ فَأَجَّرَهُ عَشْرَ سِنِينَ بَطَلَ فِي الزَّائِدِ عَلَى مُدَّةِ الْبُلُوغِ، وَفِي الْبَاقِي قَوْلًا تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَجَّرَهُ مُدَّةً لَا يَبْلُغُ فِيهَا بِالسِّنِّ، وَإِنْ احْتَمَلَ بُلُوغَهُ بِالِاحْتِلَامِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الصَّبِيِّ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي أَكْثَرِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ‏.‏ أَمَّا أَقَلُّهَا فَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ أَقَلُّ مُدَّةٍ تُؤَجَّرُ الْأَرْضُ فِيهَا لِلزِّرَاعَةِ مُدَّةُ زِرَاعَتِهَا، وَأَقَلُّ مُدَّةٍ تُؤَجَّرُ الدَّارُ لِلسُّكْنَى يَوْمٌ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهُ تَافِهٌ لَا يُقَابَلُ بِعِوَضٍ‏.‏ وَيُسْتَثْنَى مِنْ اشْتِرَاطِ بَيَانِ الْمُدَّةِ فِي الْإِجَارَةِ مَسَائِلُ‏:‏ الْأُولَى‏:‏ سَوَادُ الْعِرَاقِ، فَإِنَّ الْأَصَحُّ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ آجَرَهُ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَاحْتَمَلَ ذَلِكَ لِلْمَصْلَحَةِ الْكُلِّيَّةِ‏.‏ ثَانِيهَا‏:‏ أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ إجَارَةِ الدَّارِ وَغَيْرِهَا شَهْرًا مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَقَدْ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ كَمَا مَرَّ عَنْ الْمَجْمُوعِ‏.‏ ثَالِثُهَا‏:‏ عَقْدُ الْجِزْيَةِ إذَا قُلْنَا إنَّهَا عَقْدُ إجَارَةٍ عَلَى إقَامَتِهِمْ فِي دَارِنَا وَهُوَ الْأَصَحُّ‏.‏ رَابِعُهَا‏:‏ اسْتِئْجَارُ الْعُلُوِّ لِحَقِّ الْبِنَاءِ وَلِإِجْرَاءِ الْمَاءِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ بَيَانُ الْمُدَّةِ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الصُّلْحِ‏.‏ خَامِسُهَا‏:‏ اسْتِئْجَارُ الذِّمِّيِّ لِلْجِهَادِ مِنْ غَيْرِ تَبْيِينِ الْمُدَّةِ يَجُوزُ لِلضَّرُورَةِ، قَالَهُ فِي الشَّامِلِ فِي بَابِ الْغَنِيمَةِ‏.‏ سَادِسُهَا‏:‏ اسْتِئْجَارُ الْإِمَامِ لِلْأَذَانِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا كَمَا مَرَّ فِي فَصْلِ الْأَذَانِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَلْمُكْتَرِي اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ فَيُرْكِبُ وَيُسَكِّنُ مِثْلَهُ، وَلَا يُسَكِّنُ حَدَّادًا وَقَصَّارًا، وَمَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ كَدَارٍ وَدَابَّةٍ مُعَيَّنَةٍ لَا يُبْدَلُ، وَمَا يُسْتَوْفَى بِهِ كَثَوْبٍ وَصَبِيٍّ عُيِّنَ لِلْخَيَّاطَةِ وَالِارْتِضَاعِ يَجُوزُ إبْدَالُهُ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

وَالْمَنْفَعَةُ الْمُسْتَحَقَّةُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ تَتَوَقَّفُ عَلَى مُسْتَوْفٍ وَمُسْتَوْفًى مِنْهُ وَبِهِ وَفِيهِ، وَأَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَلِلْمُكْتَرِي اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ‏)‏ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَ مَا اسْتَأْجَرَهُ مِنْ غَيْرِهِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَمَانَةُ مَنْ سَلَّمَهَا إلَيْهِ، فَلَوْ شَرَطَ اسْتِيفَاءَهَا عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ لَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ بَاعَهُ عَيْنًا وَشَرَطَ أَنْ لَا يَبِيعَهَا، وَلِابْنِ الرِّفْعَةِ فِي ذَلِكَ نَظَرٌ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

تَعْبِيرُهُ بِالْمَنْفَعَةِ قَدْ يُخْرِجُ الِاسْتِئْجَارَ لِإِفَادَةِ عَيْنٍ كَالرَّضَاعِ وَالْبِئْرِ لِيَسْتَقِيَ مِنْهَا مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ فِي الْجَمِيعِ، وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ‏:‏ بِغَيْرِهِ جَوَازَ إعَارَةِ الْمُكْتَرِي الْمَنْفَعَةَ لِغَيْرِهِ، وَقَدْ جَزَمَ بِهِ فِي الْمَتْنِ فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ، وَإِذَا جَازَ الِاسْتِيفَاءُ بِغَيْرِهِ ‏(‏فَيُرْكِبُ‏)‏ فِي اسْتِئْجَارِ دَابَّةٍ لِلرُّكُوبِ مِثْلَهُ ضَخَامَةً وَنَحَافَةً وَطُولًا وَعَرْضًا وَقِصَرًا أَوْ دُونَهُ فِيمَا ذُكِرَ، ‏(‏وَيُسَكِّنُ‏)‏ فِي اسْتِئْجَارِ دَارٍ لِلسُّكْنَى ‏(‏مِثْلَهُ، وَلَا يُسَكِّنُ‏)‏ إذَا كَانَ بَزَّازًا مَثَلًا ‏(‏حَدَّادًا، وَ‏)‏ لَا ‏(‏قَصَّارًا‏)‏ لِزِيَادَةِ الضَّرَرِ بِدَقِّهِمَا، وَكَذَا يُلْبِسُ الثَّوْبَ مِثْلَهُ وَدُونَهُ، وَيَنْبَغِي فِي اللَّابِسِ الْمُمَاثَلَةُ فِي النَّظَافَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ اسْتِيفَاءَ عَيْنِ الْمَنْفَعَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ بِغَيْرِ زِيَادَةٍ، وَلَعَلَّ ضَابِطَ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُسَاوِيَ الْمُسْتَأْجِرَ فِي الضَّرَرِ بِالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، وَيُعَبَّرُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْمُسْتَوْفِيَ يَجُوزُ إبْدَالُهُ، وَاسْتَثْنَى جَمْعٌ مِنْهُمْ الْجُرْجَانِيِّ‏:‏ مَا لَوْ قَالَ‏:‏ لِتَسْكُنَهَا وَتُسْكِنَ مَنْ شِئْت لِلْإِذْنِ، كَمَا لَوْ قَالَ‏:‏ ازْرَعْ مَا شِئْت، وَلِلْأَذْرَعِيِّ فِي ذَلِكَ نَظَرٌ‏.‏ وَأَشَارَ لِلثَّانِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَمَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ‏)‏ الْمَنْفَعَةُ ‏(‏كَدَارٍ وَدَابَّةٍ مُعَيَّنَةٍ‏)‏ هُوَ قَيْدٌ فِي الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّ الدَّارَ لَا تَكُونُ إلَّا مُعَيَّنَةً، وَلَوْ كَانَ قَيْدًا فِيهَا لَوَجَبَ التَّثْنِيَةُ ‏(‏- لَا يُبْدَلُ‏)‏؛ لِأَنَّهُ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ فَأَشْبَهَ الْمَبِيعَ، وَلِهَذَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِتَلَفِهِ وَيُرَدُّ بِالْعَيْبِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

يُسْتَثْنَى مِنْ مَفْهُومِ الْمَتْنِ جَوَازُ الْإِبْدَالِ إذَا لَمْ تَكُنْ مُعَيَّنَةً مَا إذَا أَسْلَمَ دَابَّةً عَمَّا فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّهَا لَا تُبَدَّلُ بِغَيْرِ رِضَاهُ فِي الْأَصَحِّ كَمَا مَرَّ‏.‏ وَأَشَارَ إلَى الثَّالِثِ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَمَا يُسْتَوْفَى‏)‏ الْمَنْفَعَةُ ‏(‏بِهِ كَثَوْبٍ وَصَبِيٍّ عُيِّنَ‏)‏ الْأَوَّلُ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ ‏(‏لِلْخِيَاطَةِ، وَ‏)‏ الثَّانِي‏:‏ لِأَجْلِ ‏(‏الِارْتِضَاعِ‏)‏ أَوْ التَّعْلِيمِ ‏(‏- يَجُوزُ إبْدَالُهُ‏)‏ أَيْ مَا ذُكِرَ بِمِثْلِهِ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْأَجِيرُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعْقُودًا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا هُوَ طَرِيقٌ لِلِاسْتِيفَاءِ، فَأَشْبَهَ الرَّاكِبَ وَالْمَتَاعَ الْمُعَيَّنَ لِلْحَمْلِ‏.‏ وَالثَّانِي الْمَنْعُ‏:‏ كَالْمُسْتَوْفَى مِنْهُ، وَجَرَى عَلَيْهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْخُلْعِ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ وَابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، وَرَجَّحَ الْأَوَّلَ فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ، وَرَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْمُسْتَوْفَى فِيهِ، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ إبْدَالُهُ، كَأَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِرُكُوبٍ فِي طَرِيقٍ لَهُ إبْدَالُ الطَّرِيقِ بِمِثْلِهِ أَوْ دُونِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُ الْمُصَنِّفِ عُيِّنَ أَشَارَ بِهِ إلَى مَا نَقَلَاهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ وَأَقَرَّاهُ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إذَا الْتَزَمَ فِي ذِمَّتِهِ خِيَاطَةَ ثَوْبٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ حَمْلَ مَتَاعٍ مُعَيَّنٍ، أَمَّا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً مُعَيَّنَةً لِرُكُوبٍ أَوْ حَمْلِ مَتَاعٍ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ إبْدَالِ الرَّاكِبِ وَالْمَتَاعِ، وَفَرَّقَ بِأَنَّ الْعَقْدَ - وَالْحَالَةُ هَذِهِ - يَتَنَاوَلُ الْمُدَّةَ بِدَلِيلِ اسْتِقْرَارِ الْأُجْرَةِ بِتَسْلِيمِهَا وَإِنْ لَمْ يَرْكَبْ، وَإِذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ تَنَاوَلَ الْعَقْدُ الْعَمَلَ الْمُسْتَوْفَى بِهِ؛ فَكَأَنَّهُ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ، وَلِلْإِمَامِ نَحْوُهُ، وَلَوْ اعْتَاضَ عَنْ مَنْفَعَةٍ بِمَنْفَعَةٍ جَازَ قَطْعًا، وَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ‏:‏ وَعَيْنَا بِالتَّثْنِيَةِ فَإِنَّهُ صِفَةٌ لِصَبِيٍّ وَثَوْبٍ، وَإِيقَاعُ ضَمِيرِ الْمُفْرَدِ مَوْضِعَ التَّثْنِيَةِ شَاذٌّ‏.‏

المتن‏:‏

وَيَدُ الْمُكْتَرِي عَلَى الدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ يَدُ أَمَانَةٍ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ وَكَذَا بَعْدَهَا فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

فَرْعٌ‏:‏

لَوْ اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا لِلُّبْسِ لَمْ يَنَمْ فِيهِ لَيْلًا عَمَلًا بِالْعَادَةِ، وَلَوْ كَانَ الثَّوْبَ التَّحْتَانِيَّ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فَطَرِيقُهُ إذَا أَرَادَ النَّوْمَ فِيهِ أَنْ يَشْرُطَهُ وَيَنَامَ فِي الثَّوْبِ التَّحْتَانِيِّ نَهَارًا سَاعَةً أَوْ سَاعَتَيْنِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْفَوْقَانِيُّ فَلَا يَنَامُ فِيهِ وَلَا يَلْبَسُهُ كُلَّ وَقْتٍ، بَلْ عِنْدَ التَّجَمُّلِ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي جَرَتْ الْعَادَةُ فِيهَا بِالتَّجَمُّلِ كَحَالَةِ الْخُرُوجِ إلَى السُّوقِ وَنَحْوِهِ، وَدُخُولِ النَّاسِ عَلَيْهِ، وَيَنْزِعُهُ فِي أَوْقَاتِ الْخَلْوَةِ عَمَلًا بِالْعُرْفِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَّزِرَ بِقَمِيصٍ اسْتَأْجَرَهُ لِلُبْسِهِ، وَلَا بِرِدَاءٍ اسْتَأْجَرَهُ لِلِارْتِدَاءِ بِهِ، وَلَهُ أَنْ يَرْتَدِيَ وَيَتَعَمَّمَ بِمَا اسْتَأْجَرَهُ لِلُّبْسِ وَالِاتِّزَارِ‏.‏ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا يَوْمًا كَامِلًا فَمِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ، إذْ النَّهَارُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ، وَقِيلَ‏:‏ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الْغُرُوبِ، أَوْ يَوْمًا وَأَطْلَقَ فَمِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ إلَى مِثْلِهِ، أَوْ لِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ دَخَلَتْ اللَّيَالِي الْمُشْتَمِلَةُ عَلَيْهَا‏.‏ ‏(‏وَيَدُ الْمُكْتَرِي عَلَى‏)‏ الْمُسْتَأْجَرِ مِنْ ‏(‏الدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ‏)‏ وَغَيْرِهِمَا ‏(‏يَدُ أَمَانَةٍ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ‏)‏ جَزْمًا، فَلَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ فِيهَا بِلَا تَقْصِيرٍ، إذْ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ حَقِّهِ، إلَّا بِوَضْعِ الْيَدِ عَلَيْهَا، وَعَلَيْهِ دَفْعُ مُتْلَفَاتِهَا كَالْمُودَعِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ قَالَ‏:‏ عَلَى الْمُسْتَأْجَرِ كَمَا قَدَّرْتُهُ بَدَلَ عَلَى الدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ، لَكَانَ أَخَصْرَ وَأَشْمَلَ، ‏(‏وَكَذَا بَعْدَهَا‏)‏ إذَا لَمْ يَسْتَعْمِلْهَا ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ اسْتِصْحَابًا لِمَا كَانَ كَالْمُودَعِ، فَلَا يَلْزَمُهُ رَدُّهَا، بَلْ التَّخْلِيَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَالِكِ كَالْوَدِيعَةِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ يَدُ ضَمَانٍ‏.‏

وَقَالَ السُّبْكِيُّ‏:‏ إنَّهَا بَعْدَ الْمُدَّةِ أَمَانَةٌ شَرْعِيَّةٌ كَثَوْبٍ أَلْقَتْهُ الرِّيحُ بِدَارِهِ، فَإِنْ تَلِفَتْ عَقِبَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ أَوْ إعْلَامِهِ فَلَا ضَمَانَ جَزْمًا‏.‏ أَمَّا إذَا اسْتَعْمَلَهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا قَطْعًا‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ رَبَطَ دَابَّةً اكْتَرَاهَا لِحَمْلٍ أَوْ رُكُوبٍ وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا لَمْ يَضْمَنْ إلَّا إذَا انْهَدَمَ عَلَيْهَا إصْطَبْلٌ فِي وَقْتٍ لَوْ انْتَفَعَ بِهَا لَمْ يُصِبْهَا الْهَدْمُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ بِسَبَبٍ وَلَمْ يُعْلِمْ الْمُسْتَأْجِرُ الْمَالِكَ بِالِانْفِسَاخِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهِ ضَمِنَهَا وَمَنَافِعَهَا لِتَقْصِيرِهِ بِعَدَمِ إعْلَامِهِ، فَإِنْ أَعْلَمَهُ أَوْ لَمْ يُعْلِمْهُ لِعَدَمِ عِلْمِهِ أَوْ كَانَ هُوَ عَالِمًا بِهِ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَلَا تَقْصِيرَ مِنْهُ، ‏(‏وَلَوْ رَبَطَ دَابَّةً اكْتَرَاهَا لِحَمْلٍ أَوْ رُكُوبٍ‏)‏ أَوْ غَيْرِهِ كَحَرْثٍ وَاسْتِقَاءٍ ‏(‏وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا‏)‏ وَتَلِفَتْ ‏(‏لَمْ يَضْمَنْ‏)‏ قِيمَتَهَا؛ لِأَنَّهَا بِيَدِهِ أَمَانَةٌ، وَسَوَاءٌ أُتْلِفَتْ فِي الْمُدَّةِ أَمْ بَعْدَهَا عَلَى الْأَصَحِّ، ‏(‏إلَّا إذَا انْهَدَمَ عَلَيْهَا إصْطَبْلٌ‏)‏ وَهُوَ عَجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ ‏(‏فِي وَقْتٍ‏)‏ لِلِانْتِفَاعِ ‏(‏لَوْ انْتَفَعَ بِهَا‏)‏ فِيهِ - خَارِجًا عَنْ إصْطَبْلِهَا وَقْتَ الِانْهِدَامِ - مَعَ جَرَيَانِ الْعَادَةِ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا ذَلِكَ الْوَقْتَ كَالنَّهَارِ، ‏(‏لَمْ يُصِبْهَا الْهَدْمُ‏)‏، بَلْ تَسْلَمُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِرَبْطِهَا فِيهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَلِفَتْ بِانْهِدَامِ سَقْفٍ فِي وَقْتٍ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِاسْتِعْمَالِهَا فِيهِ كَجُنْحِ اللَّيْلِ فِي الشِّتَاءِ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الضَّمَانَ بِذَلِكَ ضَمَانُ جِنَايَةٍ لَا ضَمَانُ يَدٍ، وَإِنْ تَرَدَّدَ فِيهِ السُّبْكِيُّ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَسَكَتُوا عَمَّا لَوْ سَافَرَ بِهَا فَتَلِفَتْ فَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهَا التَّفْصِيلُ، فَيُقَالَ‏:‏ إنْ سَافَرَ فِي وَقْتٍ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِالسَّيْرِ فِيهِ فَتَلِفَتْ بِآفَةٍ أَوْ نَقَصَتْ ضَمِنَ، وَلَوْ تَرَكَ الِانْتِفَاعَ بِهَا فِي وَقْتِ مَرَضٍ أَوْ خَوْفٍ عَرَضَ لَهُ فَتَلِفَتْ بِذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْخَوْفِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

إنَّمَا قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ بِالرَّبْطِ لِيَسْتَثْنِيَ مِنْهَا، وَإِلَّا لَوْ تَلِفَ فِي مُدَّةِ الِانْتِفَاعِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَلَوْ حَمَلَ قِدْرًا لِلرَّدِّ عَلَى دَابَّةٍ فَانْكَسَرَتْ الْقِدْرُ بِتَعَثُّرِ الدَّابَّةِ، فَإِنْ كَانَ لَا يُسْتَقَلُّ بِحَمْلِهَا أَوْ كَانَ لَا يَلِيقُ بِهِ حَمْلُهَا كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِلَّا ضَمِنَ لِتَقْصِيرِهِ، إذْ الْعَادَةُ أَنَّ الْقِدْرَ لَا تُرَدُّ عَلَى الدَّابَّةِ مَعَ اسْتِقْلَالِ الْمُسْتَأْجِرِ بِحَمْلِهَا‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ تَلِفَ الْمَالُ فِي يَدِ أَجِيرٍ بِلَا تَعَدٍّ كَثَوْبٍ اُسْتُؤْجِرَ لِخِيَاطَتِهِ أَوْ صَبْغِهِ لَمْ يَضْمَنْ إنْ لَمْ يَنْفَرِدْ بِالْيَدِ بِأَنْ قَعَدَ الْمُسْتَأْجِرُ مَعَهُ أَوْ أَحْضَرَهُ مَنْزِلَهُ، وَكَذَا إنْ انْفَرَدَ فِي أَظْهَرِ الْأَقْوَالِ، وَالثَّالِثُ يَضْمَنُ الْمُشْتَرَكُ، وَهُوَ مَنْ الْتَزَمَ عَمَلًا فِي ذِمَّتِهِ، لَا الْمُنْفَرِدُ، وَهُوَ مَنْ أَجَرَ نَفْسَهُ مُدَّةً مُعَيَّنَةً لِعَمَلٍ

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ تَلِفَ الْمَالُ‏)‏ أَوْ بَعْضُهُ ‏(‏فِي يَدِ أَجِيرٍ‏)‏ قَبْلَ الْعَمَلِ فِيهِ أَوْ بَعْدَهُ ‏(‏بِلَا تَعَدٍّ‏)‏ مِنْهُ فِيهِ ‏(‏كَثَوْبٍ اُسْتُؤْجِرَ لِخِيَاطَتِهِ أَوْ صَبْغِهِ‏)‏ بِفَتْحِ الصَّادِ بِخَطِّهِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَصْدَرِ مَا لَا يُصْبَغُ بِهِ ‏(‏- لَمْ يَضْمَنْ إنْ لَمْ يَنْفَرِدْ‏)‏ ذَلِكَ الْأَجِيرُ ‏(‏بِالْيَدِ‏)‏، وَفَسَّرَ عَدَمَ الِانْفِرَادِ بِهَا بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏بِأَنْ قَعَدَ الْمُسْتَأْجِرُ مَعَهُ أَوْ أَحْضَرَهُ مَنْزِلَهُ‏)‏ وَلَمْ يَقْعُدْ، وَكَذَا لَوْ حَمَّلَهُ الْمَتَاعَ وَمَشَى خَلْفَهُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَالِكِ ثَابِتَةٌ عَلَى الْعَيْنِ حُكْمًا، وَإِنَّمَا اسْتَعَانَ بِالْأَجِيرِ فِي شُغْلِهِ كَالْمُسْتَعِينِ بِالْوَكِيلِ، ‏(‏وَكَذَا إنْ انْفَرَدَ‏)‏ بِالْيَدِ، سَوَاءٌ الْمُشْتَرَكُ وَالْمُنْفَرِدُ، فَإِنْ انْتَفَى مَا ذُكِرَ فِي الْقِسْمِ قَبْلَهُ لَا يَضْمَنُ ‏(‏فِي أَظْهَرِ الْأَقْوَالِ‏)‏‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ يَضْمَنُ كَالْمُسْتَامِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ‏.‏ وَدُفِعَ بِأَنَّهُ أَخَذَهُ لِمَنْفَعَةِ الْمُسْتَأْجِرِ أَيْضًا فَلَا يَضْمَنُ كَعَامِلِ الْقِرَاضِ‏.‏

وَقَالَ الرَّبِيعُ‏:‏ اعْتِقَادُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْأَجِيرِ، وَأَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِعِلْمِهِ، وَكَانَ لَا يَبُوحُ بِهِ خَشْيَةَ قُضَاةِ السُّوءِ وَأُجَرَاءِ السُّوءِ‏.‏

وَقَالَ الْفَارِقِيُّ بَعْدَ أَنْ صَحَّحَ الْأَوَّلَ‏:‏ إلَّا أَنْ يَعْمَلَ بِهِ‏:‏ أَيْ بِالثَّانِي لِفَسَادِ النَّاسِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَلِي نَحْوُ ثَلَاثِينَ سَنَةً مَا أَفْتَيْتُ بِوَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَلَا حَكَمْتُ إلَّا بِالْمَصْلَحَةِ‏.‏ ‏(‏وَالثَّالِثُ‏:‏ يَضْمَنُ‏)‏ الْأَجِيرُ ‏(‏الْمُشْتَرَكُ‏)‏، وَفَسَّرَ الْمُشْتَرَكُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَهُوَ مَنْ الْتَزَمَ عَمَلًا فِي ذِمَّتِهِ‏)‏ كَعَادَةِ الْقَصَّارِينَ وَالْخَيَّاطِينَ، وَسُمِّيَ مُشْتَرَكًا؛ لِأَنَّهُ إنْ الْتَزَمَ الْعَمَلَ لِجَمَاعَةٍ فَذَاكَ، أَوْ لِوَاحِدٍ أَمْكَنَهُ أَنْ يَلْتَزِمَ لِآخَرَ مِثْلَهُ، فَكَأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ النَّاسِ، ‏(‏لَا‏)‏ الْأَجِيرُ ‏(‏الْمُنْفَرِدُ، وَهُوَ مَنْ أَجَرَ نَفْسَهُ مُدَّةً مُعَيَّنَةً لِعَمَلٍ‏)‏ لِغَيْرِهِ لَا يُمْكِنُهُ شَرْعًا الْتِزَامُ مِثْلِهِ لِآخَرَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِانْفِرَادِ الْمُسْتَأْجِرِ بِمَنْفَعَتِهِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ مَنَافِعُهُ مُخْتَصَّةٌ بِالْمُسْتَأْجِرِ فِي الْمُدَّةِ، فَيَدُهُ كَالْوَكِيلِ مَعَ الْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرَكِ

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً لَيْسَ بِقَيْدٍ؛ لِأَنَّ الْمَأْخَذَ كَوْنُهُ أَوْقَعَ الْإِجَارَةَ عَلَى عَيْنِهِ، وَقَدْ يُقَدَّرُ بِالْعَمَلِ دُونَ الْمُدَّةِ كَعَكْسِهِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ بِلَا تَعَدٍّ ‏"‏ عَمَّا إذَا تَعَدَّى فَيَضْمَنُ مُطْلَقًا قَطْعًا، كَمَا لَوْ أَسْرَفَ الْخَبَّازُ فِي الْوَقُودِ أَوْ تَرَكَ الْخُبْزَ فِي النَّارِ حَتَّى احْتَرَقَ، أَوْ ضَرَبَ عَلَى التَّأْدِيبِ وَالتَّعْلِيمِ الصَّبِيَّ فَمَاتَ؛ لِأَنَّ تَأْدِيبَهُ بِغَيْرِ الضَّرْبِ مُمْكِنٌ، وَمَتَى اخْتَلَفَا فِي التَّعَدِّي عُمِلَ بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَجِيرِ، وَحَيْثُ ضَمَّنَا الْأَجِيرَ، فَإِنْ كَانَ بِتَعَدٍّ فَبِأَقْصَى قِيَمِهِ مِنْ وَقْتِ الْقَبْضِ إلَى وَقْتِ التَّلَفِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِ فَبِوَقْتِ التَّلَفِ‏.‏

فَرْعٌ‏:‏

الْأَجِيرُ لِحِفْظِ الدُّكَّانِ مَثَلًا لَا ضَمَان عَلَيْهِ إذَا أُخِذَ مَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لَهُ عَلَى الْمَالِ‏.‏ قَالَ الْقَفَّالُ‏:‏ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْحَارِسِ فِي السِّكَّةِ لَوْ سُرِقَ مِنْ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ السِّكَّةِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَيُعْلَمُ مِنْهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ أَنَّ الْخُفَرَاءَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ‏.‏‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ دَفَعَ ثَوْبًا إلَى قَصَّارٍ لِيُقَصِّرَهُ أَوْ خَيَّاطٍ لِيَخِيطَهُ فَفَعَلَ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ أُجْرَةً فَلَا أُجْرَةَ لَهُ، وَقِيلَ لَهُ، وَقِيلَ إنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ الْعَمَلِ فَلَهُ، وَإِلَّا فَلَا، وَقَدْ يُسْتَحْسَنُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ دَفَعَ ثَوْبًا‏)‏ بِلَا اسْتِئْجَارٍ ‏(‏إلَى قَصَّارٍ لِيُقَصِّرَهُ أَوْ‏)‏ إلَى ‏(‏خَيَّاطٍ لِيَخِيطَهُ‏)‏ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ كَغَسَّالٍ يَغْسِلُهُ ‏(‏فَفَعَلَ‏)‏ ذَلِكَ ‏(‏وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ أُجْرَةً فَلَا أُجْرَةَ لَهُ‏)‏ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ وَقَوْلِ الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ لَهُ عِوَضًا فَصَارَ كَقَوْلِهِ‏:‏ أَطْعِمْنِي فَأَطْعَمَهُ‏.‏ قَالَ فِي الْبَحْرِ‏:‏ وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَسْكِنِّي دَارَك شَهْرًا فَأَسْكَنَهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ أُجْرَةً بِالْإِجْمَاعِ، ‏(‏وَقِيلَ‏:‏ لَهُ‏)‏ أُجْرَةُ مِثْلٍ، لِاسْتِهْلَاكِ الدَّافِعِ عَمَلَهُ، ‏(‏وَقِيلَ‏:‏ إنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ الْعَمَلِ‏)‏ بِأُجْرَةٍ ‏(‏فَلَهُ‏)‏ أُجْرَةُ الْمِثْلِ‏.‏

وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ‏:‏ تَجِبُ لَهُ الْأُجْرَةُ الَّتِي جَرَتْ بِهَا الْعَادَةُ لِذَلِكَ الْعَمَلِ وَإِنْ زَادَتْ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ، ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ الْعَمَلِ ‏(‏فَلَا‏)‏ أُجْرَةَ لَهُ، ‏(‏وَقَدْ يُسْتَحْسَنُ‏)‏ هَذَا الْوَجْهُ لِدَلَالَةِ الْعُرْفِ عَلَى ذَلِكَ وَقِيَامِهِ مَقَامَ اللَّفْظِ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ، وَعَلَى هَذَا عَمَلُ النَّاسِ‏.‏

وَقَالَ الْغَزَالِيُّ‏:‏ إنَّهُ الْأَظْهَرُ‏.‏

وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ‏:‏ إنَّهُ الْأَصَحُّ، وَحَكَاهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ، وَقَالَ إنَّهُ الِاخْتِيَارُ‏.‏

وَقَالَ فِي الْبَحْرِ‏:‏ وَبِهِ أُفْتِي بِهِ وَأَفْتَى بِهِ خَلَائِقُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَإِذَا قُلْنَا لَا أُجْرَةَ لَهُ عَلَى الْأَصَحِّ فَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ إذَا كَانَ حُرًّا مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ‏.‏ أَمَّا لَوْ كَانَ عَبْدًا أَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ وَنَحْوِهِ فَلَا، إذْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ بِمَنَافِعِهِمْ الْمُقَابَلَةِ بِالْأَعْوَاضِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ‏:‏ وَلَمْ يَذْكُرْ أُجْرَةً عَمَّا إذَا قَالَ‏:‏ مَجَّانًا فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا قَطْعًا، وَمَا لَوْ ذَكَرَ أُجْرَةً فَيَسْتَحِقُّهَا جَزْمًا، وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً فَالْمُسَمَّى، وَإِلَّا فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَلَوْ عَرَّضَ بِذِكْرِ أُجْرَةٍ كَاعْمَلْ وَأَنَا أُرْضِيك أَوْ اعْمَلْ وَمَا تَرَى مِنِّي إلَّا مَا يَسُرُّك أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، كَقَوْلِهِ‏:‏ حَتَّى أُحَاسِبَك اسْتَحَقَّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ كَمَا فِي الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ تُرَدُّ هَذِهِ عَلَى الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي هَذِهِ أُجْرَةً، إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ أُجْرَةً لَا تَصْرِيحًا وَلَا تَعْرِيضًا‏.‏ وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَتْنِ مَسَائِلُ‏:‏ إحْدَاهَا‏:‏ عَامِلُ الْمُسَاقَاةِ إذَا عَمِلَ مَا لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِهَا بِإِذْنِ الْمَالِكِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا‏.‏ قَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ وَلَا تُسْتَثْنَى، لِأَنَّ عَمَلَهُ تَابِعٌ لِمَا فِيهِ أُجْرَةٌ، فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْأُجْرَةِ فِي الْجُمْلَةِ‏.‏ ثَانِيهَا‏:‏ عَامِلُ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْعِوَضَ وَلَوْ لَمْ يُسَمِّ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَلَا تُسْتَثْنَى؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ ثَابِتَةٌ لَهُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ مُسَمَّاةٌ شَرْعًا وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهَا الْإِمَامُ‏.‏ ثَالِثُهَا‏:‏ عَامِلُ الْقِسْمَةِ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ فَلِلْقَاسِمِ الْأُجْرَةُ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ، كَذَا اسْتَثْنَاهَا بَعْضُهُمْ، وَنَازَعَ فِي التَّوْشِيحِ فِي اسْتِثْنَائِهَا، وَقَالَ‏:‏ إنَّهُ كَغَيْرِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَأَمَّا دَاخِلُ الْحَمَّامِ بِلَا إذْنٍ مِنْ الْحَمَّامِيِّ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْرٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَصَّارِ وَنَحْوِهِ أَنَّ هَؤُلَاءِ، صَرَفُوا مَنَافِعَهُمْ لِغَيْرِهِمْ، وَالدَّاخِلُ لِلْحَمَّامِ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ الْحَمَّامِ بِسُكُونِهِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي الدُّخُولِ، فَالْحَمَّامِيُّ فِيهِ كَالْأَجِيرِ كَمَا قَالُوا بِهِ فِيمَنْ دَخَلَ سَفِينَةً بِإِذْنِ صَاحِبِهَا حَتَّى أَتَى السَّاحِلَ فَإِنَّهُ كَالْأَجِيرِ فِيمَا ذَكَرَ‏:‏ أَيْ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ، فَإِنْ دَخَلَهَا بِغَيْرِ إذْنٍ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ الْأُجْرَةَ‏.‏ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ‏:‏ وَلَعَلَّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ مَالِكُهَا حَتَّى سَيَّرَهَا، وَإِلَّا فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كَمَا لَوْ وَضَعَ مَتَاعَهُ عَلَى دَابَّةِ غَيْرِهِ فَسَيَّرَهَا مَالِكُهَا فَإِنَّهُ لَا أُجْرَةَ عَلَى مَالِكِهِ وَلَا ضَمَانَ‏.‏

فَرْعٌ‏:‏

مَا يَأْخُذُهُ الْحَمَّامِيُّ أُجْرَةُ الْحَمَّامِ وَالْآلَةِ مِنْ سَطْلٍ وَإِزَارٍ وَنَحْوِهَا وَحِفْظِ الْمَتَاعِ، لَا ثَمَنُ الْمَاءِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْبُوطٍ فَلَا يُقَابَلُ بِعِوَضٍ، فَالْحَمَّامِيُّ مُؤَجِّرٌ لِلْآلَةِ وَأَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ فِي الْأَمْتِعَةِ فَلَا يَضْمَنُهَا كَسَائِرِ الْأُجَرَاءِ، وَالْآلَةُ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ عَلَى الدَّاخِلِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَأْجِرٌ لَهَا، وَلَوْ كَانَ مَعَ الدَّاخِلِ الْآلَةُ وَمَنْ يَحْفَظُ الْمَتَاعَ كَانَ مَا يَأْخُذُهُ الْحَمَّامِيُّ أُجْرَةَ الْحَمَّامِ فَقَطْ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ تَعَدَّى الْمُسْتَأْجِرُ بِأَنْ ضَرَبَ الدَّابَّةَ أَوْ كَبَحَهَا فَوْقَ الْعَادَةِ أَوْ أَرْكَبَهَا أَثْقَلَ مِنْهُ أَوْ أَسْكَنَ حَدَّادًا أَوْ قَصَّارًا ضَمِنَ الْعَيْنَ، وَكَذَا لَوْ اكْتَرَى لِحَمْلِ مِائَةِ رِطْلٍ مِنْ حِنْطَةٍ فَحَمَلَ مِائَةً شَعِيرًا أَوْ عَكَسَ أَوْ لِعَشَرَةِ أَقْفِزَةِ شَعِيرٍ فَحَمَلَ حِنْطَةً دُونَ عَكْسِهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ تَعَدَّى الْمُسْتَأْجِرُ بِأَنْ ضَرَبَ الدَّابَّةَ أَوْ كَبَحَهَا‏)‏ بِمُوَحَّدَةٍ وَمُهْمَلَةٍ، وَيُقَالُ‏:‏ بِمِيمٍ بَدَلَ الْمُوَحَّدَةِ، وَيُقَالُ‏:‏ بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ بَدَلَ الْمُوَحَّدَةِ أَيْضًا، وَيُقَالُ‏:‏ أَكْبَحَ، وَالْمَعْنَى‏:‏ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ جَذَبَهَا بِاللِّجَامِ لِتَقِفَ، وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَوْقَ الْعَادَةِ‏)‏ قَيْدٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، ‏(‏أَوْ أَرْكَبَهَا أَثْقَلَ مِنْهُ، أَوْ أَسْكَنَ حَدَّادًا أَوْ قَصَّارًا‏)‏ وَهُمَا أَشَدُّ ضَرَرًا مِمَّا اسْتَأْجَرَ لَهُ ‏(‏ضَمِنَ الْعَيْنَ‏)‏ أَيْ دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ لِتَعَدِّيهِ، وَالْقَرَارُ عَلَى الْمُسْتَعْمِلِ الثَّانِي إنْ عَلِمَ الْحَالَ، وَإِلَّا فَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ كَانَتْ يَدُ الثَّانِي يَدَ أَمَانَةٍ كَالْمُسْتَأْجِرِ؛ فَإِنْ كَانَتْ يَدَ ضَمَانٍ كَالْمُسْتَعِيرِ فَالْقَرَارُ عَلَيْهِ كَمَا أَوْضَحُوهُ فِي الْغَصْبِ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْغَصْبِ فِيمَنْ تَرَتَّبَتْ يَدُهُ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ وَهُنَا تَرَتَّبَتْ يَدُهُ عَلَى يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ لَا يَضْمَنُ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّهُ بِإِرْكَابِهِ مَنْ هُوَ أَثْقَلُ مِنْهُ صَارَ فِي حُكْمِ الْغَاصِبِ، وَلِهَذَا ضَمِنَ الْعَيْنَ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ‏:‏ إنَّهُ لَوْ أَرْكَبَ مِثْلَهُ فَجَاوَزَ الْعَادَةَ فِي الضَّرْبِ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ‏.‏ أَمَّا الضَّرْبُ الْمُعْتَادُ إذَا أَفْضَى إلَى تَلَفٍ، فَلَا يُوجِبُ ضَمَانًا‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ ضَرْبُ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ الضَّرْبَ الْمُعْتَادَ يُوجِبُ الضَّمَانَ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ تَأْدِيبَهَا مُمْكِنٌ بِاللَّفْظِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الظَّنِّ بِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ إلَّا الضَّرْبُ فَهُوَ اجْتِهَادٌ فَاكْتَفَى بِهِ لِلْإِبَاحَةِ دُونَ سُقُوطِ الضَّمَانِ، وَلَوْ ارْتَدَفَ مَعَ مُكْتَرِيَيْ دَابَّةٍ رَكِبَاهَا ثَالِثٌ عُدْوَانًا ضَمِنَ الثُّلُثَ إنْ تَلِفَتْ تَوْزِيعًا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَا عَلَى قَدْرِ أَوْزَانِهِمْ؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يُوزَنُونَ غَالِبًا‏.‏ وَلَوْ سَخَّرَ رَجُلًا وَبَهِيمَتَهُ فَمَاتَتْ فِي يَدِ صَاحِبِهَا قَبْلَ اسْتِعْمَالِهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسَخِّرِ؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِ صَاحِبِهَا‏.‏ أَمَّا بَعْدَ اسْتِعْمَالِهَا فَهِيَ مُعَارَةٌ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ إلَى أَنَّ التَّعَدِّيَ فِي رَقَبَةِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ - لِيَخْرُجَ مَا لَوْ آجَرَ الْأَرْضَ لِزَرْعِ حِنْطَةٍ فَزَرَعَ الذُّرَةَ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ ضَامِنًا لِلْأَرْضِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّهُ تَعَدَّى فِي الْمَنْفَعَةِ لَا الرَّقَبَةِ، وَيَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلذُّرَةِ، ‏(‏وَكَذَا‏)‏ يَصِيرُ ضَامِنًا ‏(‏لَوْ اكْتَرَى‏)‏ دَابَّة ‏(‏لِحَمْلِ مِائَةِ رِطْلٍ مِنْ حِنْطَةٍ فَحَمَلَ‏)‏ عَلَيْهَا ‏(‏مِائَةً شَعِيرًا أَوْ عَكَسَ‏)‏، بِأَنْ اكْتَرَاهَا لِحَمْلِ مِائَةِ رِطْلٍ شَعِيرٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا مِائَةَ حِنْطَةٍ؛ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ أَثْقَلُ فَيَجْتَمِعُ ثِقَلُهَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَالشَّعِيرُ أَخَفُّ؛ فَيَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ أَكْثَرَ، فَالضَّرَرُ مُخْتَلِفٌ، وَقِيسَ عَلَى الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ كُلُّ مُخْتَلِفَيْنِ فِي الضَّرَرِ كَالْقُطْنِ وَالْحَدِيدِ‏.‏ قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ‏.‏ وَسَوَاءٌ أُتْلِفَتْ بِذَلِكَ السَّبَبِ أَمْ بِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ صَارَتْ يَدَ عُدْوَانٍ، وَيُبَدَّلُ بِالْقُطْنِ الصُّوفُ وَالْوَبَرُ؛ لِأَنَّهُمَا مِثْلُهُ فِي الْحَجْمِ لَا الْحَدِيدُ، وَيُبَدَّلُ بِالْحَدِيدِ الرَّصَاصُ وَالنُّحَاسُ؛ لِأَنَّهُمَا مِثْلُهُ فِي الْحَجْمِ لَا الْقُطْنُ، ‏(‏أَوْ‏)‏ اكْتَرَاهَا ‏(‏لِعَشَرَةِ أَقْفِزَةِ شَعِيرٍ فَحَمَلَ‏)‏ عَشَرَةً ‏(‏حِنْطَةً‏)‏ فَإِنَّهُ يَصِيرُ ضَامِنًا لِلدَّابَّةِ؛ لِأَنَّهَا أَثْقَلُ، وَالْأَقْفِزَةُ جَمْعُ قَفِيزٍ، وَهُوَ مِكْيَالٌ يَسَعُ اثْنَيْ عَشَرَ صَاعًا، ‏(‏دُونَ عَكْسِهِ‏)‏ لِخِفَّةِ الشَّعِيرِ مَعَ اسْتِوَائِهِمَا فِي الْحَجْمِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ اكْتَرَى لِمِائَةٍ فَحَمَلَ مِائَةً وَعَشَرَةً لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلزِّيَادَةِ، وَإِنْ تَلِفَتْ بِذَلِكَ ضَمِنَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهَا مَعَهَا، فَإِنْ كَانَ ضَمِنَ قِسْطَ الزِّيَادَةِ وَفِي قَوْلٍ نِصْفَ الْقِيمَةِ، وَلَوْ سَلَّمَ الْمِائَةَ وَالْعَشَرَةَ إلَى الْمُؤَجِّرِ فَحَمَّلَهَا جَاهِلًا ضَمِنَ الْمُكْتَرِي عَلَى الْمَذْهَبِ وَلَوْ وَزَنَ الْمُؤَجِّرُ وَحَمَّلَ فَلَا أُجْرَةَ لِلزِّيَادَةِ، وَلَا يَضْمَنُ إنْ تَلِفَتْ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ اكْتَرَى‏)‏ دَابَّةً ‏(‏لِمِائَةٍ‏)‏ أَيْ لِحَمْلِ مِائَةِ رِطْلٍ حِنْطَةً مَثَلًا ‏(‏فَحَمَلَ‏)‏ عَلَيْهَا ‏(‏مِائَةً‏)‏ مِنْهَا ‏(‏وَعَشَرَةً لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلزِّيَادَةِ‏)‏ مَعَ الْمُسَمَّى عَلَى الْمَشْهُورِ لِتَعَدِّيهِ بِذَلِكَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَشَارَ بِتَمْثِيلِهِ بِالْعَشَرَةِ إلَى أَنَّ الزَّائِدَ قَدْ لَا يُتَسَامَحُ بِهِ‏.‏ أَمَّا مَا يُتَسَامَحُ بِهِ كَاَلَّذِي يَقَعُ بِهِ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ فَإِنَّهُ لَا أُجْرَةَ لَهُ وَلَا ضَمَانَ بِسَبَبِهِ، وَلَوْ اكْتَرَى مَكَانًا لِوَضْعِ أَمْتِعَةٍ فِيهِ فَزَادَ عَلَيْهَا نَظَرْتَ‏:‏ فَإِنْ كَانَ أَرْضًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ غَرْفَةً لَزِمَهُ الْمُسَمَّى وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلزَّائِدِ عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ الدَّابَّةِ، ‏(‏وَإِنْ تَلِفَتْ‏)‏ تِلْكَ الدَّابَّةُ ‏(‏بِذَلِكَ‏)‏ الزَّائِدِ ‏(‏ضَمِنَهَا‏)‏ ضَمَانَ يَدٍ ‏(‏إنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهَا مَعَهَا‏)‏؛ لِأَنَّهُ صَارَ ضَامِنًا لَهَا بِحَمْلِ الزَّائِدِ، ‏(‏فَإِنْ كَانَ‏)‏ صَاحِبُهَا مَعَهَا ‏(‏ضَمِنَ‏)‏ الْمُسْتَأْجِرُ ‏(‏قِسْطَ الزِّيَادَةِ‏)‏ فَقَطْ ضَمَانَ جِنَايَةٍ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِقَدْرِ جِنَايَتِهِ، ‏(‏وَفِي قَوْلٍ نِصْفَ الْقِيمَةِ‏)‏؛ لِأَنَّهَا تَلِفَتْ بِمَضْمُونٍ وَغَيْرِهِ فَقُسِّطَتْ الْقِيمَةُ عَلَيْهِمَا، كَمَا لَوْ جَرَحَهُ وَاحِدٌ جِرَاحَةً وَآخَرُ جِرَاحَاتٍ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِتَيَسُّرِ التَّوْزِيعِ هُنَا، بِخِلَافِ الْجِرَاحَاتِ؛ لِأَنَّ نِكَايَاتِهَا لَا تَنْضَبِطُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ بِذَلِكَ ‏"‏ يُحْتَرَزُ بِهِ عَمَّا إذَا تَلِفَتْ بِغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا عِنْدَ انْفِرَادِهِ بِالْيَدِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانٌ بِالْيَدِ، لَا عِنْدَ عَدَمِ انْفِرَادِهِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ ضَمَانٌ بِالْجِنَايَةِ، وَإِذَا كَانَ فِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلٌ فَلَا يُرَدُّ، ‏(‏وَلَوْ سَلَّمَ‏)‏ الْمُسْتَأْجِرُ ‏(‏الْمِائَةَ وَالْعَشَرَةَ إلَى الْمُؤَجِّرِ فَحَمَّلَهَا‏)‏ بِمِيمٍ مُشَدَّدَةٍ ‏(‏جَاهِلًا‏)‏ بِالزِّيَادَةِ، كَأَنْ قَالَ لَهُ‏:‏ هِيَ مِائَةٌ كَاذِبًا فَصَدَّقَهُ فَتَلِفَتْ الدَّابَّةُ بِهَا ‏(‏ضَمِنَ الْمُكْتَرِي عَلَى الْمَذْهَبِ‏)‏ كَمَا لَوْ حَمَلَ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ أَعْدَادَ الْمَجْهُولِ وَتَسْلِيمَهُ إلَى الْمُؤَجِّرِ بَعْدَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ كَالْإِلْجَاءِ إلَى الْحَمْلِ شَرْعًا، فَكَانَ كَشَهَادَةِ شُهُودِ الْقِصَاصِ، وَفِيمَا يَضْمَنُهُ الْقَوْلَانِ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَعَارُضِ الْغَرَرِ وَالْمُبَاشَرَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ قَالَ‏:‏ فَكَمَا لَوْ حَمَلَهَا الْمُكْتَرِي لَكَانَ أَوْلَى لِيَعُمَّ الضَّمَانَ وَأُجْرَةَ الزِّيَادَةِ، وَخَرَجَ بِالْجَاهِلِ الْعَالِمُ بِالزِّيَادَةِ‏:‏ فَإِنْ قَالَ لَهُ الْمُسْتَأْجِرُ‏:‏ احْمِلْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ، فَأَجَابَهُ فَقَدْ أَعَارَهُ إيَّاهَا لِحَمْلِ الزِّيَادَةِ فَلَا أُجْرَةَ لَهَا، وَإِنْ تَلِفَتْ الدَّابَّةُ لَا بِسَبَبِ الْعَارِيَّةِ ضَمِنَ الْقِسْطَ‏.‏ أَمَّا بِسَبَبِهَا فَلَا ضَمَانَ كَمَا عُلِمَ مِنْ بَابِ الْعَارِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ الْمُسْتَأْجِرُ شَيْئًا فَحُكْمُهُ مَذْكُورٌ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَلَوْ وَزَنَ الْمُؤَجِّرُ وَحَمَّلَ‏)‏ الدَّابَّةَ ‏(‏فَلَا أُجْرَةَ لِلزِّيَادَةِ‏)‏ تَعَمَّدَ ذَلِكَ أَمْ لَا، عَلِمَ الْمُسْتَأْجِرُ بِالزِّيَادَةِ وَسَكَتَ أَمْ جَهِلَهَا لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِي نَقْلِهَا، ‏(‏وَلَا يَضْمَنُ‏)‏ الْمُسْتَأْجِرُ الدَّابَّةَ ‏(‏إنْ تَلِفَتْ‏)‏ إذْ لَا يَدَ وَلَا تَعَدِّيَ، وَلِلْمُسْتَأْجِرِ مُطَالَبَةُ الْمُؤَجِّرِ بِرَدِّهَا إلَى الْمَنْقُولِ مِنْهُ، وَلَيْسَ لِلْمُؤَجِّرِ رَدُّهَا دُونَ رِضَاهُ، وَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالْبَدَلِ لِلْحَيْلُولَةِ، فَلَوْ غَرِمَ لَهُ بَدَلَهَا ثُمَّ رَدَّهَا إلَى مَكَانِهَا اسْتَرَدَّهُ وَرَدَّهَا إلَيْهِ، وَلَوْ كَالَ الْمُؤَجِّرُ وَحَمَلَ الْمُسْتَأْجِرُ، فَكَمَا لَوْ كَالَ بِنَفْسِهِ وَحَمَلَ، سَوَاءٌ أَكَانَ عَالِمًا بِالزِّيَادَةِ أَمْ لَا‏؟‏ وَلَوْ وَضَعَ الْمُسْتَأْجِرُ الْمِائَةَ وَالْعَشَرَةَ عَلَى الدَّابَّةِ فَسَيَّرَهَا الْمُؤَجِّرُ فَكَمَا لَوْ حَمَّلَهَا الْمُؤَجِّرُ، وَلَوْ كَالَ أَجْنَبِيٌّ وَحَمَلَ بِلَا إذْنٍ فِي الزِّيَادَةِ فَهُوَ غَاصِبٌ لِلزَّائِدِ وَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ لَلْمُؤَجِّرِ وَرَدُّهُ إلَى الْمَكَانِ الْمَنْقُولِ مِنْهُ إنْ طَالَبَهُ الْمُسْتَأْجِرُ، وَعَلَيْهِ ضَمَانُ الدَّابَّةِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ غَيْبَةِ صَاحِبِهَا وَحَضْرَتِهِ عَلَى مَا مَرَّ، وَإِنْ حَمَلَ بَعْدَ كَيْلِ الْأَجْنَبِيِّ الْمِائَةَ وَالْعَشَرَةَ أَحَدُ الْمُتَكَارِيَيْنِ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ السَّابِقُ بَيْنَ الْغَرَرِ وَعَدَمِهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الزِّيَادَةِ أَوْ قَدْرِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكْتَرِي بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الزِّيَادَةِ، وَلَوْ وُجِدَ الْمَحْمُولُ عَلَى الدَّابَّةِ نَاقِصًا عَنْ الْمَشْرُوطِ نَقْصًا يُؤَثِّرُ، وَقَدْ كَالَهُ الْمُؤَجِّرُ حُطَّ قِسْطُهُ مِنْ الْأُجْرَةِ إنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفِ بِالْمَشْرُوطِ، وَكَذَا إنْ كَانَتْ إجَارَةَ عَيْنٍ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُسْتَأْجِرُ النَّقْصَ، فَإِنْ عَلِمَهُ لَمْ يُحَطَّ شَيْءٌ مِنْ الْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّ التَّمْكِينَ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ قَدْ حَصَلَ، وَذَلِكَ كَافٍ فِي تَقْرِيرِ الْأُجْرَةِ‏.‏ أَمَّا النَّقْصُ الَّذِي لَا يُؤَثِّرُ كَاَلَّذِي يَقَعُ بِهِ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ أَوْ الْوَزْنَيْنِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ أَعْطَاهُ ثَوْبًا لِيَخِيطَهُ فَخَاطَهُ قَبَاءً وَقَالَ أَمَرْتنِي بِقَطْعِهِ قَبَاءً فَقَالَ بَلْ قَمِيصًا فَالْأَظْهَرُ تَصْدِيقُ الْمَالِكِ بِيَمِينِهِ، وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ، وَعَلَى الْخَيَّاطِ أَرْشُ النَّقْصِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ أَعْطَاهُ‏)‏ أَيْ خَيَّاطًا ‏(‏ثَوْبًا لِيَخِيطَهُ‏)‏، وَأَذِنَ لَهُ الْمَالِكُ فِي قَطْعِهِ، ‏(‏فَخَاطَهُ قَبَاءً وَقَالَ‏)‏ لِلْمَالِكِ‏:‏ ‏(‏أَمَرْتنِي بِقَطْعِهِ قَبَاءً، فَقَالَ‏)‏ الْمَالِكُ لِلْخَيَّاطِ‏:‏ ‏(‏بَلْ‏)‏ أَمَرْتُك بِقَطْعِهِ ‏(‏قَمِيصًا‏)‏، فَعَلَيْك الْأَرْشُ ‏(‏فَالْأَظْهَرُ تَصْدِيقُ الْمَالِكِ بِيَمِينِهِ‏)‏، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْإِذْنِ فَيَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَذِنَ لَهُ فِي قَطْعِهِ قَبَاءً، وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِلْقَمِيصِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ يُصَدَّقُ الْخَيَّاطُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْأَرْشَ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْمَذْهَبِ لَكَانَ أَوْلَى، فَإِنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ طُرُقًا أَصَحُّهَا طَرِيقَةُ الْقَوْلَيْنِ، ‏(‏وَ‏)‏ عَلَى الْأَوَّلِ ‏(‏لَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ الْمَالِكِ لِلْخَيَّاطِ إذَا حَلَفَ الْمَالِكُ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْخَيَّاطِ صَارَ حِينَئِذٍ غَيْرَ مَأْذُونٍ فِيهِ ‏(‏وَعَلَى الْخَيَّاطِ أَرْشُ النَّقْصِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ إذَا انْتَفَى الْإِذْنُ فَالْأَصْلُ الضَّمَانُ، وَفِي الْأَرْشِ الْوَاجِبِ وَجْهَانِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَمَقْطُوعًا؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِي قَطْعِهِ قَبَاءً‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مَقْطُوعًا قَمِيصًا وَمَقْطُوعًا قَبَاءً، لِأَنَّ أَصْلَ الْقَطْعِ مَأْذُونٌ فِيهِ، وَصَحَّحَ الْأَوَّلَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ‏.‏

وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ إنَّهُ الْأَصَحُّ، وَصَحَّحَ الثَّانِي جَمْعٌ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وَقَالَ‏:‏ لَا يَتَّجِهُ غَيْرُهُ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلِلْخَيَّاطِ نَزْعُ خَيْطِهِ وَعَلَيْهِ أَرْشُ النَّزْعِ إنْ حَصَلَ بِهِ نَقْصٌ، وَلَهُ مَنْعُ الْمَالِكِ مِنْ شَدِّ خَيْطٍ فِي خَيْطِ الْخِيَاطَةِ يَجُرُّهُ فِي الْمَدْرُوزِ مَكَانَهُ إذَا نُزِعَ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِرِضَاهُ، وَحَيْثُ قُلْنَا‏:‏ لَا أُجْرَةَ لِلْخَيَّاطِ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ بِهَا عَلَى الْمَالِكِ، فَإِنْ نَكَلَ فَفِي تَجْدِيدِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ‏.‏ قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ‏:‏ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَصَحُّهُمَا التَّجْدِيدَ وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ‏.‏ وَلَوْ قَالَ الْمَالِكُ لِلْخَيَّاطِ‏:‏ إنْ كَانَ هَذَا الثَّوْبُ يَكْفِينِي قَمِيصًا فَاقْطَعْهُ، فَقَطَعَهُ وَلَمْ يَكْفِهِ - ضَمِنَ الْأَرْشَ، لِأَنَّ الْإِذْنَ مَشْرُوطٌ بِمَا لَمْ يُوجَدْ، وَإِنْ قَالَ لَهُ فِي جَوَابِهِ‏:‏ هُوَ يَكْفِيك، فَقَالَ‏:‏ اقْطَعْهُ، فَقَطَعَهُ وَلَمْ يَكْفِهِ - لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ مُطْلَقٌ، وَلَوْ جَاءَ الْخَيَّاطُ مَثَلًا بِثَوْبٍ، وَقَالَ لِلْمَالِكِ‏:‏ هَذَا ثَوْبُك، فَأَنْكَرَهُ صُدِّقَ الْخَيَّاطُ بِيَمِينِهِ كَمَا قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ، فَإِذَا حَلَفَ فَقَدْ اعْتَرَفَ لِلْمَالِكِ بِشَيْءٍ وَهُوَ يُنْكِرُهُ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏فِي انْفِسَاخِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَالْخِيَارِ فِي الْإِجَارَةِ وَمَا يَقْتَضِيهِمَا‏]‏

المتن‏:‏

لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِعُذْرٍ كَتَعَذُّرِ وَقُودِ حَمَّامٍ وَسَفَرٍ وَمَرَضِ مُسْتَأْجِرِ دَابَّةٍ لِسَفَرٍ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِزِرَاعَةِ فَزَرَعَ فَهَلَكَ الزَّرْعُ بِجَائِحَةٍ فَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ وَلَا حَطُّ شَيْءٍ مِنْ الْأُجْرَةِ، وَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الدَّابَّةِ وَالْأَجِيرِ الْمُعَيَّنَيْنِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا الْمَاضِي فِي الْأَظْهَرِ، فَيَسْتَقِرُّ قِسْطُهُ مِنْ الْمُسَمَّى، وَلَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْعَاقِدَيْنِ وَمُتَوَلِّي الْوَقْفِ، وَلَوْ آجَرَ الْبَطْنَ الْأَوَّلَ مُدَّةً وَمَاتَ قَبْلَ تَمَامِهَا، أَوْ الْوَلِيُّ صَبِيًّا مُدَّةً لَا يَبْلُغُ فِيهَا بِالسِّنِّ فَبَلَغَ بِالِاحْتِلَامِ فَالْأَصَحُّ انْفِسَاخُهَا فِي الْوَقْفِ لَا الصَّبِيِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

فَصْلٌ فِي انْفِسَاخِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَالْخِيَارِ فِي الْإِجَارَةِ وَمَا يَقْتَضِيهِمَا‏.‏ وَقَدْ شَرَعَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ‏)‏ عَيْنًا كَانَتْ أَوْ ذِمَّةً، وَلَا تُفْسَخُ ‏(‏بِعُذْرٍ‏)‏ فِي غَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لِمُؤَجِّرٍ أَوْ مُسْتَأْجِرٍ، فَالْأَوَّلُ كَمَرِيضٍ مُؤَجِّرٍ دَابَّةً عَجَزَ عَنْ خُرُوجِهِ مَعَهَا الَّذِي هُوَ مِنْ أَعْمَالِ الْإِجَارَةِ حَيْثُ كَانَتْ الدَّابَّةُ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ ‏(‏كَتَعَذُّرِ وَقُودِ حَمَّامٍ‏)‏ عَلَى مُسْتَأْجِرٍ، وَالْوَقُودُ بِفَتْحِ الْوَاوِ بِخَطِّهِ مَا يُوقَدُ بِهِ مِنْ حَطَبٍ وَغَيْرِهِ، وَبِضَمِّهَا مَصْدَرُ وَقَدَتْ النَّارُ، ‏(‏وَسَفَرٍ‏)‏ بِفَتْحِ الْفَاءِ عَرَضَ لِمُسْتَأْجِرِ دَارٍ مَثَلًا لَا بِسُكُونِهَا كَمَا وَقَعَ لِلسُّبْكِيِّ فِي أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْمُسَافِرِ مِنْ رُفْقَةٍ، وَهُمْ السَّفْرُ‏:‏ أَيْ الْمُسَافِرُونَ يَتَعَذَّرُ خُرُوجُهُمْ، ‏(‏وَ‏)‏ كَعُرُوضِ ‏(‏مَرَضِ مُسْتَأْجِرِ دَابَّةٍ لِسَفَرٍ‏)‏ عَلَيْهَا، وَالْمَعْنَى فِي الْجَمِيعِ أَنَّهُ لَا خَلَلَ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَالِاسْتِنَابَةُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا مُمَكَّنَةٌ، وَمَحَلُّ عَدَمِ الِانْفِسَاخِ فِي غَيْرِ الْعُذْرِ الشَّرْعِيِّ‏.‏ أَمَّا هُوَ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ شَخْصًا لِقَلْعِ سِنٍّ مُؤْلِمَةٍ فَزَالَ الْأَلَمُ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ كَمَا مَرَّ أَوَائِلَ الْبَابِ؛ لِتَعَذُّرِ قَلْعِهَا حِينَئِذٍ شَرْعًا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ إجَارَةُ الْإِمَامِ ذِمِّيًّا لِلْجِهَادِ، وَتَعَذَّرَ لِصُلْحٍ حَصَلَ قَبْلَ مَسِيرِ الْجَيْشِ فَإِنَّهُ عُذْرٌ لِلْإِمَامِ يَسْتَرْجِعُ بِهِ كُلَّ الْأُجْرَةِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَإِفْلَاسُ الْمُسْتَأْجِرِ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْأُجْرَةِ وَمُضِيِّ الْمُدَّةَ فَإِنَّهُ يُوجِبُ لَلْمُؤَجِّرِ الْفَسْخَ كَمَا أَطْلَقَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي بَابِ التَّفْلِيسِ‏.‏ وَعَدَمُ دُخُولِ النَّاسِ الْحَمَّامَ الْمُسْتَأْجَرَ بِسَبَبِ فِتْنَةٍ حَادِثَةٍ أَوْ خَرَابِ النَّاحِيَةِ لَيْسَ بِعَيْبٍ يُثْبِتُ الْخِيَارَ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، خِلَافًا لِلرُّويَانِيِّ إذْ لَا خَلَلَ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، ‏(‏وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِزِرَاعَةٍ فَزَرَعَ فَهَلَكَ الزَّرْعُ بِجَائِحَةٍ‏)‏ أَصَابَتْهُ مِنْ سَيْلٍ أَوْ شِدَّةِ بَرْدٍ أَوْ حَرٍّ أَوْ أَكْلِ جَرَادٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ‏(‏فَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ وَلَا حَطُّ شَيْءٍ مِنْ الْأُجْرَةِ‏)‏؛ لِأَنَّ الْجَائِحَةَ لَحِقَتْ زَرْعَ الْمُسْتَأْجِرِ لَا مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ، فَلَوْ تَلِفَتْ الْأَرْضُ بِجَائِحَةٍ أَبْطَلَتْ قُوَّةَ الْإِنْبَاتِ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فِي الْمُدَّةِ الْبَاقِيَةِ، فَلَوْ تَلِفَ الزَّرْعُ قَبْلَ تَلَفِ الْأَرْضِ وَتَعَذَّرَ إبْدَالُهُ قَبْلَ الِانْفِسَاخِ بِتَلَفِهَا - لَمْ يَسْتَرِدَّ مِنْ الْمُسَمَّى لِمَا قَبْلَ التَّلَفِ شَيْئًا كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي؛ لِأَنَّ صَلَاحِيَّةَ الْأَرْضِ لَوْ بَقِيَتْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِيهَا نَفْعٌ بَعْدَ فَوَاتِ الزَّرْعِ، وَأَمَّا بَعْدَ التَّلَفِ فَيُسْتَرَدُّ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْمُسَمَّى لِبُطْلَانِ الْعَقْدِ فِيهِ، وَإِنْ تَلِفَتْ الْأَرْضُ أَوَّلًا اسْتَرَدَّ أُجْرَةَ الْمُسْتَقْبَلِ وَكَذَا الْمَاضِي كَمَا فِي جَوَاهِرِ الْقَمُولِيِّ، وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ ابْنِ الْمُقْرِي خِلَافَهُ‏.‏ ‏(‏وَتَنْفَسِخُ‏)‏ الْإِجَارَةُ ‏(‏بِمَوْتِ الدَّابَّةِ وَالْأَجِيرِ الْمُعَيَّنَيْنِ‏)‏، وَكَذَا مُعَيَّنُ غَيْرِهِمَا، لَكِنَّ الِانْفِسَاخَ ‏(‏فِي‏)‏ الزَّمَنِ ‏(‏الْمُسْتَقْبَلِ‏)‏ لِفَوَاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ قَبْلَ قَبْضِهَا، كَمَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِتَلَفِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْتُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا كَإِتْلَافِ الْمُسْتَأْجِرِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ لَوْ أَتْلَفَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الثَّمَنُ، فَهَلَّا كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ كَذَلِكَ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْبَيْعَ وَرَدَ عَلَى الْعَيْنِ فَإِذَا أَتْلَفَهَا صَارَ قَابِضًا لَهَا، وَالْإِجَارَةُ وَارِدَةٌ عَلَى الْمَنَافِعِ، وَمَنَافِعُ الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ مَعْدُومَةٌ لَا يُتَصَوَّرُ وُرُودُ الْإِتْلَافِ عَلَيْهَا، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ‏:‏ وَتَنْفَسِخُ بِتَلَفِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَشْمَلَ وَاسْتَغْنَى عَمَّا قَدَرْته، ‏(‏لَا‏)‏ فِي الزَّمَنِ ‏(‏الْمَاضِي‏)‏ إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ وَلِمِثْلِهِ أُجْرَةٌ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ لِاسْتِقْرَارِهَا بِالْقَبْضِ، ‏(‏فَيَسْتَقِرُّ قِسْطُهُ مِنْ الْمُسَمَّى‏)‏ مُوَزَّعًا عَلَى قِيمَةِ الْمَنْفَعَةِ لَا عَلَى الزَّمَانِ، فَلَوْ كَانَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ سَنَةً مَثَلًا وَمَضَى نِصْفُهَا، وَأُجْرَةُ مِثْلِهِ ضِعْفُ أُجْرَةِ مِثْلِ النِّصْفِ الْبَاقِي وَجَبَ مِنْ الْمُسَمَّى ثُلُثَاهُ، وَإِنْ كَانَ بِالْعَكْسِ فَثُلُثُهُ، وَالِاعْتِبَارُ بِقِيمَةِ الْمَنْفَعَةِ حَالَةَ الْعَقْدِ لَا بِمَا بَعْدَهُ، قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ يَنْفَسِخُ فِيهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَاحِدٌ، وَقَدْ انْفَسَخَ فِي الْبَعْضِ فَلْيَنْفَسِخْ فِي الْبَاقِي، أَمَّا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَمْ يَكُنْ لِمِثْلِهِ أُجْرَةٌ فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ فِي الْجَمِيعِ، وَاحْتُرِزَ بِالْمُعَيَّنِ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَنْفَسِخُ بِتَلَفِهِمَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهِمَا، فَإِذَا أُحْضِرَا وَمَاتَا فِي خِلَالِ الْمُدَّةِ أُبْدِلَا كَمَا مَرَّ، ‏(‏وَلَا تَنْفَسِخُ‏)‏ الْإِجَارَةُ وَلَوْ ذِمَّةً كَمَا فِي الْبَسِيطِ ‏(‏بِمَوْتِ الْعَاقِدَيْنِ‏)‏ أَوْ أَحَدِهِمَا، بَلْ تَبْقَى إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ لَازِمٌ فَلَا تَنْفَسِخُ بِالْمَوْتِ كَالْبَيْعِ، وَيَخْلُفُ الْمُسْتَأْجِرَ وَارِثُهُ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ، وَإِنَّمَا انْفَسَخَتْ بِمَوْتِ الْأَجِيرِ الْمُعَيَّنِ لِأَنَّهُ مَوْرِدُ الْعَقْدِ لَا لِأَنَّهُ عَاقِدٌ، فَلَا يُسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ الِانْفِسَاخِ‏.‏ لَكِنْ اُسْتُثْنِيَ مِنْهُ مَسَائِلُ‏:‏ مِنْهَا مَا لَوْ آجَرَ عَبْدَهُ الْمُعَلَّقَ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ فَوُجِدَتْ مَعَ مَوْتِهِ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ‏.‏ وَمِنْهَا مَا لَوْ آجَرَ أَمَّ وَلَدِهِ وَمَاتَ فِي الْمُدَّةِ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ خِلَافًا لِمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ الْوَقْفِ‏.‏ وَمِنْهَا الْمُدَبَّرُ فَإِنَّهُ كَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ‏.‏ وَمِنْهَا مَوْتُ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ كَمَا سَيَأْتِي‏.‏ وَمِنْهَا الْمُوصَى لَهُ بِمَنْفَعَةِ دَارٍ مَثَلًا مُدَّةَ عُمْرِهِ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَنْفَعَةِ إبَاحَةٌ لَا تَمْلِيكٌ فَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهَا مَرْدُودٌ بِأَنَّ ذَلِكَ مَحَلُّهُ؛ كَمَا سَيَأْتِي - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْوَصِيَّةِ بِأَنْ يَنْتَفِعَ بِالدَّارِ لَا بِمَنْفَعَتِهَا كَمَا هُنَا، وَرَدَّ بَعْضُهُمْ اسْتِثْنَاءَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِأَنَّ الِانْفِسَاخَ لَيْسَ لِمَوْتِ الْعَاقِدِ بَلْ لِانْتِهَاءِ حَقِّهِ بِالْمَوْتِ، وَلَيْسَ الرَّدُّ بِظَاهِرٍ‏.‏ ‏(‏وَ‏)‏ لَا تَنْفَسِخُ أَيْضًا بِمَوْتِ ‏(‏مُتَوَلِّي‏)‏ أَيْ نَاظِرِ ‏(‏الْوَقْفِ‏)‏ مِنْ حَاكِمٍ أَوْ مَنْصُوبِهِ أَوْ مَنْ شُرِطَ لَهُ النَّظَرُ عَلَى جَمِيعِ الْبُطُونِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ مَا لَوْ كَانَ النَّاظِرُ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ لِلْوَقْفِ وَأُجِرَ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ، فَإِذَا مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ انْفَسَخَتْ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، ‏(‏وَلَوْ آجَرَ الْبَطْنَ الْأَوَّلَ‏)‏ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ الْعَيْنُ الْمَوْقُوفَةُ ‏(‏مُدَّةً وَمَاتَ‏)‏ الْبَطْنُ الْمُؤَجِّرُ ‏(‏قَبْلَ تَمَامِهَا‏)‏ وَشَرَطَ الْوَاقِفُ لِكُلِّ بَطْنٍ مِنْهُمْ النَّظَرَ فِي حِصَّتِهِ مُدَّةَ اسْتِحْقَاقِهِ فَقَطْ، ‏(‏أَوْ الْوَلِيُّ صَبِيًّا‏)‏ أَوْ مَالَهُ ‏(‏مُدَّةً لَا يَبْلُغُ فِيهَا‏)‏ الصَّبِيُّ ‏(‏بِالسِّنِّ فَبَلَغَ‏)‏ فِيهَا ‏(‏بِالِاحْتِلَامِ‏)‏ وَهُوَ رَشِيدٌ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ ‏(‏فَالْأَصَحُّ انْفِسَاخُهَا‏)‏ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ ‏(‏فِي الْوَقْفِ‏)‏؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ انْتَقَلَ اسْتِحْقَاقُهُ بِمَوْتِ الْمُؤَجِّرِ لِغَيْرِهِ، وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ وَلَا نِيَابَةَ ‏(‏لَا‏)‏ فِي ‏(‏الصَّبِيِّ‏)‏ فَلَا تَنْفَسِخُ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ بُنِيَ تَصَرُّفُهُ عَلَى الْمَصْلَحَةِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ لَا تَنْفَسِخُ فِي الْوَقْفِ كَالْمِلْكِ وَتَنْفَسِخُ فِي الصَّبِيِّ لِتَبَيُّنِ عَدَمِ الْوِلَايَةِ فِيمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ‏.‏ أَمَّا الْمَاضِي مِنْ الْمُدَّةِ فَلَا تَنْفَسِخُ فِيهِ، وَلَوْ كَانَتْ الْمُدَّةُ يَبْلُغُ فِيهَا بِالسِّنِّ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَفِيمَا قَبْلَهُ قَوْلًا تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ، وَلَوْ آجَرَ الْوَلِيُّ مَالَ الْمَجْنُونِ فَأَفَاقَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ فَكَبُلُوغِ الصَّبِيِّ بِالِاحْتِلَامِ‏.‏ أَمَّا إذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ سَفِيهًا فَهُوَ كَالصَّبِيِّ فِي اسْتِمْرَارِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَأَنَّهَا تَنْفَسِخُ بِانْهِدَامِ الدَّارِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ آجَرَ أَحَدُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ الْمَشْرُوطُ لَهُ النَّظَرُ بِالْأَرْشَدِيَّةِ ثُمَّ مَاتَ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَاعْتَمَدَهُ الْغَزِّيُّ فِي الْفَتْوَى، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ‏:‏ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ كُلُّ الْبُطُونِ كَذَلِكَ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ عَمَّا لَوْ كَانَ الْمُؤَجِّرُ الْحَاكِمَ أَوْ الْوَاقِفَ أَوْ مَنْصُوبَهُ وَمَاتَ عَنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ كَمَا أَوْضَحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، فَالصَّحِيحُ عَدَمُ الِانْفِسَاخِ؛ لِأَنَّ الْعَاقِدَ نَاظِرٌ لِلْكُلِّ، قَالَ‏:‏ وَلَوْ آجَرَ النَّاظِرُ لِلْبَطْنِ الثَّانِي فَمَاتَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ انْتَقَلَتْ مَنَافِعُ الْوَقْفِ إلَيْهِمْ فَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَحِقَّ الْمَنَافِعِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ لِنَفْسِهِ عَلَى نَفْسِهِ، ‏(‏وَ‏)‏ الْأَصَحُّ ‏(‏أَنَّهَا تَنْفَسِخُ‏)‏ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ‏(‏بِانْهِدَامِ‏)‏ كُلِّ ‏(‏الدَّارِ‏)‏ لِزَوَالِ الِاسْمِ وَفَوَاتِ الْمَنْفَعَةِ، بِخِلَافِ الْمَبِيعِ الْمَقْبُوضِ لَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِتَلَفِهِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ فِي الْبَيْعِ حَصَلَ عَلَى جُمْلَةِ الْمَبِيعِ، وَالِاسْتِيلَاءُ عَلَى الْمَنَافِعِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا لَا يَحْصُلُ إلَّا شَيْئًا فَشَيْئًا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ هَدَمَهَا الْمُسْتَأْجِرُ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ، وَأَمَّا قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ فِي النِّكَاحِ‏:‏ إنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَوْ خَرَّبَ الدَّارَ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى تَخْرِيبٍ يَحْصُلُ بِهِ تَعْيِيبٌ لَا هَدْمٌ كَامِلٌ، وَلِهَذَا زِدْت فِي الْمَتْنِ كُلَّ لِيَخْرُجَ مَا لَوْ انْهَدَمَ بَعْضُهَا، فَإِنَّهَا لَا تَنْفَسِخُ بَلْ يَثْبُتُ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارُ‏.‏ نَعَمْ، إنْ أَمْكَنَ إصْلَاحُهُ فِي الْحَالِ وَأَصْلَحَهُ الْمُؤَجِّرُ سَقَطَ خِيَارُ الْمُسْتَأْجِرِ‏.‏

المتن‏:‏

لَا انْقِطَاعِ مَاءِ أَرْضٍ اُسْتُؤْجِرَتْ لِزِرَاعَةٍ، بَلْ يَثْبُتُ الْخِيَارُ، وَغَصْبُ الدَّابَّةِ وَإِبَاقُ الْعَبْدِ يُثْبِتُ الْخِيَارَ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

تَعْطِيلُ الرَّحَى لِانْقِطَاعِ الْمَاءِ وَالْحَمَّامِ لِخَلَلِ الْأَبْنِيَةِ أَوْ لِنَقْصِ الْمَاءِ فِي بِئْرِهِ‏.‏ ‏(‏وَلَا‏)‏ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِسَبَبِ ‏(‏انْقِطَاعِ مَاءِ أَرْضٍ اُسْتُؤْجِرَتْ لِزِرَاعَةٍ‏)‏ لِبَقَاءِ الِاسْمِ مَعَ إمْكَانِ زَرْعِهَا بِغَيْرِ الْمَاءِ الْمُنْقَطِعِ، ‏(‏بَلْ يَثْبُتُ الْخِيَارُ‏)‏ لِلْعَيْبِ وَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي؛ لِأَنَّ بِسَبَبِهِ تَعَذَّرَ قَبْضُ الْمَنْفَعَةِ، وَذَلِكَ يَتَكَرَّرُ بِمُرُورِ الزَّمَانِ‏.‏ هَذَا إنْ لَمْ يَسُقْ الْمُؤَجِّرُ الْمَاءَ إلَيْهَا مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ، مَعَ بَقَاءِ وَقْتِ الزِّرَاعَةِ، وَلَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ، وَإِلَّا فَلَا خِيَارَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

الِانْفِسَاخُ فِي الْأَوَّلِ وَثُبُوتُ الْخِيَارِ فِي الثَّانِيَةِ هُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِيهِمَا‏.‏ وَمِنْهُمْ مَنْ نَقَلَ وَخَرَّجَ وَجَعَلَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَوْلَيْنِ، وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ زِرَاعَةُ الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْمَاءِ الْمُنْقَطِعِ، فَقَضِيَّةُ مَا ذُكِرَ أَنَّهُ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ، وَهُوَ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ظَاهِرٌ

فَرْعٌ‏:‏

تَعْطِيلُ الرَّحَى لِانْقِطَاعِ الْمَاءِ، وَالْحَمَّامِ لِخَلَلِ الْأَبْنِيَةِ أَوْ لِنَقْصِ الْمَاءِ فِي بِئْرِهِ وَنَحْوُهُ كَانْهِدَامِ الدَّارِ كَمَا ذَكَرَاهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ آخِرَ الْبَابِ، وَقَضَيْتُهُ الِانْفِسَاخُ، وَالْقِيَاسُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ كَانْقِطَاعِ مَاءِ الْأَرْضِ لِبَقَاءِ اسْمِ الْحَمَّامِ وَالرَّحَى كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمُهِمَّاتِ، ‏(‏وَغَصْبُ الدَّابَّةِ‏)‏ وَنَدُّهَا ‏(‏وَإِبَاقُ الْعَبْدِ‏)‏ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ إذَا وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى عَيْنِهِمَا ‏(‏يُثْبِتُ الْخِيَارَ‏)‏ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ، وَإِذَا فُسِخَ انْفَسَخَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ، وَفِيمَا مَضَى الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي مَوْتِ الدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ‏.‏ نَعَمْ إنْ بَادَرَ الْمُؤَجِّرُ وَانْتَزَعَ مِنْ الْغَاصِبِ وَرَدَّ النَّادَّةَ وَالْآبِقَ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ سَقَطَ خِيَارُ الْمُسْتَأْجِرِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ لِبَقَاءِ عَيْنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَجَازُوا التَّقْدِيرَ بِالْعَمَلِ كَبَعِيرٍ يَرْكَبُهُ إلَى مَكَّةَ اسْتَوْفَاهُ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمُقَدَّرَةَ بِعَمَلٍ وَإِنْ وَجَبَ تَسْلِيمُهَا عَقِبَ الْعَقْدِ لَا تَفُوتُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ أَوْ بِالزَّمَانِ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا انْقَضَى مِنْهُ، وَاسْتَعْمَلَ الْعَيْنَ فِي الْبَاقِي، فَإِنْ لَمْ يُفْسَخْ وَانْقَضَتْ الْمُدَّةُ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ، فَإِنْ كَانَ بِتَفْرِيطٍ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ لَزِمَهُ الْمُسَمَّى، كَمَا لَوْ فَرَّطَ فِي الرَّقَبَةِ ضَمِنَهَا، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ مُخَاصَمَةُ الْغَاصِبِ كَالْمُسْتَعِيرِ وَالْمُودِعِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي غَصْبِ الْأَجْنَبِيِّ‏.‏ أَمَّا إذَا غَصَبَهَا الْمَالِكُ بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ قَبْلَهُ بِامْتِنَاعِهِ مِنْ الْإِقْبَاضِ فَطَرِيقَانِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ كَغَصْبِ الْأَجْنَبِيِّ، وَأَصَحُّهُمَا الْقَطْعُ بِالِانْفِسَاخِ، وَإِنْ غَصَبَهَا الْمُسْتَأْجِرُ وَيَتَصَوَّرُ بِأَخْذِهَا مِنْ الْمَالِكِ بِغَيْرِ إذْنِهِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْإِجَارَةِ اسْتَقَرَّتْ الْأُجْرَةُ عَلَيْهِ، وَفِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ لَا خِيَارَ وَعَلَى الْمُؤَجِّرِ الْإِبْدَالُ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ أَكْرَى جِمَالًا وَهَرَبَ وَتَرَكَهَا عِنْدَ الْمُكْتَرِي رَاجَعَ الْقَاضِيَ لِيَمُونَهَا مِنْ مَالِ الْجَمَّالِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَالًا اقْتَرَضَ عَلَيْهِ، فَإِنْ وَثِقَ بِالْمُكْتَرِي دَفَعَهُ إلَيْهِ، وَإِلَّا جَعَلَهُ عِنْدَ ثِقَةٍ، وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ مِنْهَا قَدْرَ النَّفَقَةِ، وَلَوْ أَذِنَ لِلْمُكْتَرِي فِي الْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِهِ لِيَرْجِعَ جَازَ فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ أَكْرَى جِمَالًا‏)‏ بِعَيْنِهَا أَوْ فِي الذِّمَّةِ وَسَلَّمَ عَيْنَهَا ‏(‏وَهَرَبَ وَتَرَكَهَا عِنْدَ الْمُكْتَرِي‏)‏ فَلَا فَسْخَ لَهُ وَلَا خِيَارَ أَيْضًا، بَلْ إنْ شَاءَ تَبَرَّعَ بِمُؤْنَتِهَا، وَإِلَّا ‏(‏رَاجَعَ الْقَاضِيَ لِيَمُونَهَا‏)‏ وَمَنْ يَقُومُ بِحِفْظِهَا ‏(‏مِنْ مَالِ الْجَمَّالِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَالًا‏)‏ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْجِمَالِ فَضْلٌ ‏(‏اقْتَرَضَ‏)‏ الْقَاضِي ‏(‏عَلَيْهِ‏)‏ مِنْ الْمُكْتَرِي أَوْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ بَيْتِ الْمَالِ، ‏(‏فَإِنْ وَثِقَ‏)‏ الْقَاضِي ‏(‏بِالْمُكْتَرِي دَفَعَهُ‏)‏ أَيْ مَا اقْتَرَضَهُ ‏(‏إلَيْهِ‏)‏ وَإِنْ اقْتَرَضَهُ مِنْهُ لِيُنْفِقَهُ عَلَيْهَا، ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَثِقْ بِهِ ‏(‏جَعَلَهُ‏)‏ أَيْ مَا اقْتَرَضَهُ الْقَاضِي ‏(‏عِنْدَ ثِقَةٍ‏)‏ يُنْفِقُ عَلَيْهَا، ‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ الْقَاضِي إنْ لَمْ يَجِدْ مَالًا يَقْتَرِضُهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا ‏(‏أَنْ يَبِيعَ مِنْهُ قَدْرَ النَّفَقَةِ‏)‏ عَلَيْهَا وَعَلَى مُتَعَهِّدِهَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَفْهَمَ قَوْلُهُ‏:‏ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَالًا أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الْجِمَالِ الْمَتْرُوكَةِ زِيَادَةٌ عَلَى حَاجَةِ الْمُسْتَأْجِرِ لَا يُقْتَرَضُ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ، بَلْ يَبِيعُ الْفَاضِلَ عَنْ الْحَاجَةِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ‏:‏ مِنْهَا إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ جَمِيعِهَا خَشْيَةَ أَنْ تَأْكُلَ أَثْمَانَهَا، وَبِهِ صَرَّحَ جَمْعٌ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي بَيْعِهَا وَيَكْتَرِي لِلْمُسْتَأْجِرِ مِنْ ثَمَنِهَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ، حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ مَالِ الْغَائِبِ لِلْمَصْلَحَةِ، ‏(‏وَلَوْ أَذِنَ‏)‏ الْقَاضِي ‏(‏لِلْمُكْتَرِي فِي الْإِنْفَاقِ‏)‏ عَلَى الْجِمَالِ وَمُتَعَهِّدِهَا ‏(‏مِنْ مَالِهِ‏)‏ أَوْ مَالِ غَيْرِهِ ‏(‏لِيَرْجِعَ‏)‏ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهَا وَعَلَى مُتَعَهِّدِهَا ‏(‏جَازَ فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ كَمَا لَوْ اقْتَرَضَ ثُمَّ دَفَعَ إلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ مَحَلُّ ضَرُورَةٍ فَقَدْ لَا يَجِدُ الْقَاضِي مَنْ يُقْرِضُهُ أَوْ لَا يَرَاهُ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ الْمَنْعُ وَيُجْعَلُ مُتَبَرِّعًا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ مَتَى أَنْفَقَ بِغَيْرِ إذْنِ الْحَاكِمِ لَمْ يَرْجِعْ، وَمَحَلُّهُ إذَا أَمْكَنَ، فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمٌ أَوْ عَسِرَ إثْبَاتُ الْوَاقِعَةِ عِنْدَهُ، فَأَنْفَقَ وَأَشْهَدَ عَلَى مَا أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ رَجَعَ وَيَحْفَظُهَا الْقَاضِي بَعْدَ الْمُدَّةِ أَوْ يَبِيعَ مِنْهَا بِقَدْرِ مَا اقْتَرَضَ، وَإِنْ خَشِيَ أَنْ تَأْكُلَ نَفْسَهَا لَوْ بَاعَ بَعْضَهَا بَاعَ الْكُلَّ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي قَدْرِ مَا أَنْفَقَ إذَا ادَّعَى نَفَقَةَ مِثْلِهِ فِي الْعَادَةِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ‏:‏ أَوَّلًا وَتَرَكَهَا عَمَّا لَوْ أَخَذَهَا الْجَمَّالُ مَعَهُ‏.‏ وَحُكْمُهُ أَنَّ الْإِجَارَةَ إنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ اكْتَرَى الْحَاكِمُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَالًا اقْتَرَضَ عَلَيْهِ وَاكْتَرَى، فَإِنْ تَعَذَّرَ الِاكْتِرَاءُ عَلَيْهِ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ الْفَسْخُ، وَإِنْ كَانَتْ إجَارَةَ عَيْنٍ فَلَهُ الْفَسْخُ كَمَا إذَا نَدَّتْ الدَّابَّةُ‏.‏

المتن‏:‏

وَمَتَى قَبَضَ الْمُكْتَرِي الدَّابَّةَ أَوْ الدَّارَ وَأَمْسَكَهَا حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ اسْتَقَرَّتْ الْأُجْرَةُ وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ، وَكَذَا لَوْ اكْتَرَى دَابَّةً لِرُكُوبٍ إلَى مَوْضِعٍ وَقَبَضَهَا وَمَضَتْ مُدَّةُ إمْكَانِ السَّيْرِ إلَيْهِ، وَسَوَاءٌ فِيهِ إجَارَةُ الْعَيْنِ وَالذِّمَّةِ إذَا سَلَّمَ الدَّابَّةَ الْمَوْصُوفَةَ وَتَسْتَقِرُّ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ بِمَا يَسْتَقِرُّ بِهِ الْمُسَمَّى فِي الصَّحِيحَةِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَمَتَى قَبَضَ الْمُكْتَرِي‏)‏ الْعَيْنَ الْمُؤَجَّرَةَ ‏(‏الدَّابَّةَ أَوْ الدَّارَ‏)‏ أَوْ غَيْرَهُمَا فِي إجَارَةِ عَيْنٍ أَوْ ذِمَّةٍ ‏(‏وَأَمْسَكَهَا حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ اسْتَقَرَّتْ الْأُجْرَةُ‏)‏ عَلَيْهِ، ‏(‏وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ‏)‏ لِتَلَفِ الْمَنَافِعِ تَحْتَ يَدِهِ فَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الْبَدَلُ كَالْمَبِيعِ إذَا تَلِفَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، وَسَوَاءٌ أَتَرَكَ الِانْتِفَاعَ اخْتِيَارًا أَمْ لِعُذْرٍ كَخَوْفِ الطَّرِيقِ أَوْ لِعَدَمِ الرُّفْقَةِ‏؟‏ مَعَ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ فِي حَالَةِ الْخَوْفِ ضَمِنَهَا، وَلَيْسَ لَهُ فَسْخٌ وَلَا إلْزَامُ الْمُكْرِي بِاسْتِرْدَادِ الدَّابَّةِ إلَى تَيَسُّرِ الْخُرُوجِ؛ لِأَنَّهُ إذَا خَافَ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى تِلْكَ الْبَلْدَةِ أَمْكَنَهُ السَّيْرُ إلَى بَلَدٍ آخَرَ وَاسْتِعْمَالُهَا تِلْكَ الْمُدَّةَ، وَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ فَلَيْسَ لَهُ الِانْتِفَاعُ، فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ مَعَ الْمُسَمَّى‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَفْهَمَ قَوْلُهُ‏:‏ قَبَضَهَا أَنَّ الْمُؤَجِّرَ لَوْ عَرَضَهَا عَلَيْهِ فَامْتَنَعَ أَوْ وَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّارِ وَمَضَتْ مُدَّةِ الْإِجَارَةُ أَنَّ الْأُجْرَةَ لَا تَسْتَقِرُّ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ تَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، ‏(‏وَكَذَا لَوْ اكْتَرَى دَابَّةً لِرُكُوبٍ إلَى مَوْضِعٍ‏)‏ مُعَيَّنٍ ‏(‏وَقَبَضَهَا‏)‏، أَوْ عُرِضَتْ عَلَيْهِ فَامْتَنَعَ أَوْ وَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ كَمَا مَرَّ ‏(‏وَ‏)‏ لَمْ يَسِرْ حَتَّى ‏(‏مَضَتْ مُدَّةُ إمْكَانِ السَّيْرِ إلَيْهِ‏)‏ فَإِنَّ الْأُجْرَةَ تَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ لِوُجُودِ التَّمْكِينِ مِنْ الْمُؤَجِّرِ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ فِي الْإِجَارَةِ الْمُقَدَّرَةِ بِالْعَمَلِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا فِي الْمُقَدَّرَةِ بِالْمُدَّةِ، ‏(‏وَسَوَاءٌ فِيهِ‏)‏ أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ ‏(‏إجَارَةُ الْعَيْنِ وَالذِّمَّةِ‏)‏، وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏إذَا سَلَّمَ‏)‏ الْمُؤَجِّرُ ‏(‏الدَّابَّةَ الْمَوْصُوفَةَ‏)‏ لِلْمُسْتَأْجِرِ قَيْدٌ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ لِتَعَيُّنِ حَقِّهِ بِالتَّسَلُّمِ وَحُصُولِ التَّمْكِينِ، فَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْهَا إلَيْهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ الْأُجْرَةَ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَسْتَقِرُّ بَدَلُهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِيفَاءٍ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

تَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ بِالدَّابَّةِ قَدْ يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ عَقَدَ عَلَى مَنْفَعَةِ الْحُرِّ وَلَمْ يَسْتَعْمِلْهُ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ لَا تَسْتَقِرُّ الْأُجْرَةُ، وَلَيْسَ مُرَادًا وَإِنْ قَالَ بِهِ الْقَفَّالُ، بَلْ تَسْتَقِرُّ كَمَا قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا، وَمَتَى قَبَضَ الْمُكْتَرِي الْمُؤَجَّرُ لَشَمِلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ‏.‏ ثُمَّ أَشَارَ لِفَرْعٍ مِنْ قَاعِدَةِ‏:‏ أَنَّ فَاسِدَ كُلِّ عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ بِقَوْلِهِ ‏(‏وَتَسْتَقِرُّ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ‏)‏ سَوَاءٌ أَقُدِّرَتْ بِعَمَلٍ أَمْ بِمُدَّةٍ ‏(‏أُجْرَةُ الْمِثْلِ‏)‏، سَوَاءٌ أَكَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الْمُسَمَّى أَمْ لَا ‏(‏بِمَا يَسْتَقِرُّ بِهِ الْمُسَمَّى فِي الصَّحِيحَةِ‏)‏، سَوَاءٌ انْتَفَعَ بِهَا أَمْ لَا، بِخِلَافِ الْمَهْرِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْوَطْءِ، إذْ الْيَدُ لَا تَثْبُتُ عَلَى مَنَافِعِ الْبُضْعِ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ كَالْبَيْعِ، وَالْمَنْفَعَةَ كَالْعَيْنِ، وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ كَالصَّحِيحِ فِي الضَّمَانِ بِالْقَبْضِ فَكَذَا الْإِجَارَةُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

يُسْتَثْنَى مِنْ التَّسْوِيَةِ التَّخْلِيَةُ فَإِنَّهَا تَكْفِي فِي قَبْضِ الْعَقَارِ فِي الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ وَلَا تَكْفِي فِي الْفَاسِدَةِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْقَبْضِ الْحَقِيقِيِّ، وَكَذَا الْوَضْعُ بَيْنَ يَدَيْهِ يَكْفِي فِي الصَّحِيحَةِ دُونَ الْفَاسِدَةِ، وَكَذَا لَوْ عَرَضَ الْمُؤَجِّرُ الْعَيْنَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، فَامْتَنَعَ لَمْ تَسْتَقِرَّ الْأُجْرَةُ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ إنَّمَا تَسْتَقِرُّ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ، وَيُتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ، أَوْ بِأَنْ تَتْلَفَ الْمَنْفَعَةُ تَحْتَ يَدِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ أَحَدُهُمَا‏.‏ وَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فِي الْفَاسِدَةِ رَدُّ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ، وَلَيْسَ لَهُ حَبْسُهَا لِاسْتِرْدَادِ الْأُجْرَةِ كَمَا فِي التَّتِمَّةِ قَاعِدَةٌ‏:‏ كُلُّ عَقْدٍ فَسَدَ سَقَطَ فِيهِ الْمُسَمَّى إلَّا إذَا عَقَدَ الْإِمَامُ الذِّمَّةَ مَعَ الْكُفَّارِ عَلَى سُكْنَى الْحِجَازِ فَسَكَنُوا وَمَضَتْ الْمُدَّةُ فَيَجِبُ الْمُسَمَّى لِتَعَذُّرِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُمْ اسْتَوْفَوْا الْمَنْفَعَةَ وَلَيْسَ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ، إذْ لَا مِثْلَ لَهَا تُعْتَبَرُ أُجْرَتُهُ فَرَجَعَ إلَى الْمُسَمَّى، وَخَرَجَ بِالْفَاسِدَةِ الْبَاطِلَةُ، كَاسْتِئْجَارِ صَبِيٍّ بَالِغًا عَلَى عَمَلٍ فَعَمِلَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ أَكْرَى عَيْنًا مُدَّةً وَلَمْ يُسَلِّمْهَا حَتَّى مَضَتْ انْفَسَخَتْ، وَلَوْ لَمْ يُقَدِّرْ مُدَّةً وَأَجَّرَ لِرُكُوبٍ إلَى مَوْضِعٍ وَلَمْ يُسَلِّمْهَا حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ السَّيْرِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَنْفَسِخُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ أَكْرَى عَيْنًا مُدَّةً وَلَمْ يُسَلِّمْهَا‏)‏ الْمُكْرِي ‏(‏حَتَّى مَضَتْ‏)‏ تِلْكَ الْمُدَّةُ ‏(‏انْفَسَخَتْ‏)‏ تِلْكَ الْإِجَارَةُ لِفَوَاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، سَوَاءٌ اسْتَوْفَى الْمُكْرِي تِلْكَ الْمَنْفَعَةَ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ أَمْسَكَهَا لِقَبْضِ الْأُجْرَةِ أَمْ لِغَيْرِهِ، فَإِنْ مَضَى بَعْضُ الْمُدَّةِ ثُمَّ سَلَّمَهَا انْفَسَخَتْ فِي الْمَاضِي وَثَبَتَ الْخِيَارُ فِي الْبَاقِي‏.‏ ‏(‏وَلَوْ لَمْ يُقَدِّرْ‏)‏ فِي الْإِجَارَةِ ‏(‏مُدَّةً وَأَجَّرَ‏)‏ لَهُ دَابَّةً ‏(‏لِرُكُوبٍ إلَى مَوْضِعٍ‏)‏ مُعَيَّنٍ ‏(‏وَلَمْ يُسَلِّمْهَا‏)‏ إلَيْهِ ‏(‏حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ‏)‏ إمْكَانِ ‏(‏السَّيْرِ‏)‏ إلَيْهِ ‏(‏فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا‏)‏ أَيْ الْإِجَارَةَ ‏(‏لَا تَنْفَسِخُ‏)‏؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْإِجَارَةَ مُعَلَّقَةٌ بِالْمَنْفَعَةِ لَا بِالزَّمَانِ فَلَمْ يَتَعَذَّرْ الِاسْتِيفَاءُ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ تَنْفَسِخُ كَمَا لَوْ حَبَسَهَا الْمُكْتَرِي تِلْكَ الْمُدَّةَ فَإِنَّ الْأُجْرَةَ تَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ‏.‏ وَأَجَابَ الْأَوَّلُ‏:‏ بِأَنَّا لَوْ لَمْ نُقَدِّرْ عَلَيْهِ الْأُجْرَةَ لَضَاعَتْ الْمَنْفَعَةُ عَلَى الْمُكْرِي، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا خِيَارَ لِلْمُكْتَرِي كَمَا لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي إذَا امْتَنَعَ الْبَائِعُ مِنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ ثُمَّ سَلَّمَهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

احْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِالْعَيْنِ عَنْ إجَارَةِ الذِّمَّةِ إذَا لَمْ يُسَلِّمْ مَا تُسْتَوْفَى مِنْهُ الْمَنْفَعَةُ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ الَّتِي يُمْكِنُ فِيهَا اسْتِيفَاؤُهَا فَلَا فَسْخَ وَلَا انْفِسَاخَ قَطْعًا؛ لِأَنَّهَا دَيْنٌ تَأَخَّرَ وَفَاؤُهُ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ أَجَّرَ عَبْدَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ وَأَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلْعَبْدِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى سَيِّدِهِ بِأُجْرَةِ مَا بَعْدَ الْعِتْقِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ أَجَّرَ عَبْدَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ‏)‏ أَوْ بَاعَهُ أَوْ وَقَفَهُ ‏(‏فَالْأَصَحُّ‏)‏ - الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالصَّحِيحِ - ‏(‏أَنَّهَا لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ‏)‏؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ تَبَرَّعَ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ وَلَمْ تَكُنْ الْمَنَافِعُ لَهُ وَقْتَ الْعِتْقِ، فَلَمْ يُصَادِفْ الْعِتْقُ إلَّا الرَّقَبَةَ مَسْلُوبَةَ الْمَنْفَعَةِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ تَنْفَسِخُ كَمَوْتِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ ‏(‏تَنْبِيهٌ‏)‏ احْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ثُمَّ أَعْتَقَهُ عَمَّا لَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ ثُمَّ آجَرَهُ فَوُجِدَتْ الصِّفَةُ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ، وَعَمَّا لَوْ أَجَّرَ أُمَّ وَلَدِهِ ثُمَّ عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا هُنَا، وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُهُمَا فِي بَابِ الْوَقْفِ خِلَافَهُ، وَلَوْ أَجَّرَ أَمَتَهُ مُدَّةً ثُمَّ اسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ - لَمْ تَنْفَسِخْ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ لِتَقَدُّمِ اسْتِحْقَاقِ الْمَنْفَعَةِ عَلَى سَبَبِ الْعِتْقِ، ‏(‏وَ‏)‏ الْأَصَحُّ ‏(‏أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلْعَبْدِ‏)‏ فِي فَسْخِ الْإِجَارَةِ بَعْدَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ سَيِّدَهُ تَصَرَّفَ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ فَلَا يُنْقَضُ، وَيَسْتَوْفِي الْمُسْتَأْجِرُ مَنْفَعَتَهُ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ لَهُ الْخِيَارُ كَالْأَمَةِ تُعْتَقُ تَحْتَ عَبْدٍ‏.‏ قَالَ الرُّويَانِيُّ‏:‏ وَهُوَ غَلَطٌ؛ لِأَنَّ خِيَارَهَا ثَبَتَ لِنَقْصِهِ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَفْقُودٌ هُنَا، ‏(‏وَالْأَظْهَرُ‏)‏ عَلَى الْأَوَّلِ ‏(‏أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى سَيِّدِهِ بِأُجْرَةٍ مَا بَعْدَ الْعِتْقِ‏)‏ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ يَرْجِعُ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ لِتَفْوِيتِ السَّيِّدِ لَهُ وَدَفْعِ هَذَا، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ فِي الْأُولَتَيْنِ بِأَنَّ الْإِعْتَاقَ تَنَاوَلَ الرَّقَبَةَ خَالِيَةً عَنْ الْمَنْفَعَةِ بَقِيَّةَ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ، وَلَا نَفَقَةَ عَلَى السَّيِّدِ وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ قَدْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ تَعَهُّدِ نَفْسِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَمْرَيْنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْمُؤَجِّرُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ وَارِثُهُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ الْعَبْدُ بِشَيْءٍ عَلَيْهِ قَطْعًا وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهِ عَقْدًا ثُمَّ نَقَضَهُ‏.‏ ثَانِيهِمَا‏:‏ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِعِتْقٍ سَابِقٍ عَلَى الْإِجَارَةِ عَتَقَ وَلَمْ يُقْبَلْ فِي بُطْلَانِ الْإِجَارَةِ، وَأَنَّهُ يَغْرَمُ لِلْعَبْدِ أُجْرَةَ مِثْلِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ قُبَيْلَ كِتَابِ الصَّدَاقِ وَأَقَرَّهُ‏.‏ وَكَمَا لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِطُرُوِّ الْحُرِّيَّةِ لَا تَنْفَسِخُ بِطُرُوِّ الرِّقِّ، فَلَوْ اسْتَأْجَرَ مُسْلِمٌ حَرْبِيًّا فَاسْتُرِقَّ، أَوْ اسْتَأْجَرَ مِنْهُ دَارًا فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ مَلَكَهَا الْمُسْلِمُونَ - لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ، وَإِنْ أَجَّرَ دَارًا بِعَبْدٍ ثُمَّ قَبَضَهُ وَأَعْتَقَهُ، ثُمَّ انْهَدَمَتْ - فَالرُّجُوعُ بِقِيمَتِهِ، وَلَوْ ظَهَرَ بِالْعَبْدِ عَيْبٌ بَعْدَ الْعِتْقِ وَفَسَخَ الْمُسْتَأْجِرُ الْإِجَارَةَ مَلَكَ الْعَتِيقُ مَنَافِعَ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَقِلًّا‏.‏ فَإِنْ قِيلَ لَوْ بِيعَ الْمُؤَجَّرُ وَانْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ إنَّ الْمَنْفَعَةَ تَرْجِعُ لِلْبَائِعِ لَا لِلْمُشْتَرِي كَمَا يَأْتِي آخِرَ الْبَابِ، فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنَّهَا تَرْجِعُ لِلسَّيِّدِ كَمَا رَجَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْعِتْقَ لَمَّا كَانَ مُتَقَرَّبًا بِهِ وَالشَّارِعُ مُتَشَوِّفًا إلَيْهِ - كَانَتْ مَنَافِعُ الْعَتِيقِ لَهُ نَظَرًا لِمَقْصُودِ الْعِتْقِ مِنْ كَمَالِ تَقَرُّبِهِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ آجَرَ الْمُكَاتَبُ نَفْسَهُ ثُمَّ عَجَّزَهُ سَيِّدُهُ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ لِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا تَصِحُّ مُكَاتَبَةُ الْمُؤَجَّرِ، إذْ لَا يُمْكِنُهُ التَّصَرُّفُ لِنَفْسِهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَيَصِحُّ بَيْعُ الْمُسْتَأْجَرَةِ لَلْمُكْتَرِي، وَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ بَاعَهَا لِغَيْرِهِ جَازَ فِي الْأَظْهَرِ وَلَا تَنْفَسِخُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَيَصِحُّ بَيْعُ‏)‏ الْعَيْنِ ‏(‏الْمُسْتَأْجَرَةِ‏)‏ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ ‏(‏لَلْمُكْتَرِي‏)‏؛ لِأَنَّهَا بِيَدِهِ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ، فَأَشْبَهَ بَيْعَ الْمَغْصُوبِ مِنْ الْغَاصِبِ، ‏(‏وَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ فِي الْأَصَحِّ‏)‏؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يُنَافِيهَا، وَلِهَذَا يَسْتَأْجِرُ مِلْكَهُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ تَنْفَسِخُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ فَإِنَّ النِّكَاحَ يَنْفَسِخُ‏.‏ وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى الْمُشْتَرِي مَا كَانَ لِلْبَائِعِ، وَالْبَائِعُ حِينَ الْبَيْعِ مَا كَانَ يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّ السَّيِّدَ يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ بُضْعِ أَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ كَانَ الْمَهْرُ لِلسَّيِّدِ لَا لِلزَّوْجِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُ الْمُصَنِّفِ‏:‏ فِي الْأَصَحِّ رَاجِعٌ إلَى الِانْفِسَاخِ‏.‏ أَمَّا الْبَيْعُ فَصَحِيحٌ قَطْعًا كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، ‏(‏وَلَوْ بَاعَهَا‏)‏ الْمُؤَجِّرُ أَوْ وَهَبَهَا ‏(‏لِغَيْرِهِ‏)‏ أَذِنَ الْمُسْتَأْجِرُ أَمْ لَا ‏(‏جَازَ فِي الْأَظْهَرِ‏)‏؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْعَقْدِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ لَا يَمْنَعُ بَيْعَ الرَّقَبَةِ كَالْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُسْتَأْجِرِ مَانِعَةٌ مِنْ التَّسْلِيمِ‏.‏ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعَيْنَ تُؤْخَذُ مِنْهُ وَتُسَلَّمُ لِلْمُشْتَرِي، ثُمَّ تُعَادُ إلَيْهِ يَسْتَوْفِي مَنْفَعَتَهَا إلَى آخِرِ الْمُدَّةِ، وَيُعْفَى عَنْ الْقَدْرِ الَّذِي يَقَعُ التَّسْلِيمُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ لَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الْمُسْتَأْجِرِ، كَمَا لَوْ انْسَدَّتْ بَالُوعَةُ الدَّارِ فَلَا خِيَارَ؛ لِأَنَّ زَمَنَ فَتْحِهَا يَسِيرٌ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الصِّحَّةِ تَبِعَ فِيهِ الْجُمْهُورَ، وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ مُقَدَّرَةً بِالْمُدَّةِ، فَإِنْ قُدِّرَتْ بِعَمَلٍ غَيْرِ مُقَدَّرٍ بِمُدَّةٍ كَأَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ إلَى بَلَدِ كَذَا، فَعَنْ أَبِي الْفَرَجِ الزَّازَانِ‏:‏ الْبَيْعُ مُمْتَنِعٌ قَوْلًا وَاحِدًا لِجَهَالَةِ مُدَّةِ السَّيْرِ، ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَيُقَاسُ بِالْبَيْعِ مَا فِي مَعْنَاهُ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ مَسْأَلَةُ هَرَبِ الْجِمَالِ السَّابِقَةُ فَإِنَّهُ يُبَاعُ مِنْ الْجِمَالِ قَدْرُ النَّفَقَةِ، قَالَا‏:‏ وَلَا يَخْرُجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي بَيْعِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ ضَرُورَةٍ، وَالْبَيْعُ الضِّمْنِيُّ كَأَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي عَلَى كَذَا فَأَعْتَقَهُ عَنْهُ وَهُوَ مُسْتَأْجَرٌ فَإِنَّهُ يَصِحُّ قَطْعًا لِقُوَّةِ الْعِتْقِ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْقَفَّالِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَأَقَرَّاهُ‏.‏ ‏(‏وَلَا تَنْفَسِخُ‏)‏ الْإِجَارَةُ بِمَا ذُكِرَ قَطْعًا كَمَا لَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بِبَيْعِ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ مِنْ غَيْرِ الزَّوْجِ، فَتَبْقَى فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إنْ جَهِلَ الْإِجَارَةَ، وَكَذَا إنْ عَلِمَهَا وَجَهِلَ الْمُدَّةَ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ عَلِمْت بِالْإِجَارَةِ وَلَكِنْ ظَنَنْت أَنَّ لِي أُجْرَةَ مَا يَحْدُثُ عَلَى مِلْكِي مِنْ الْمَنْفَعَةِ‏.‏ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي فَتَاوِيهِ‏:‏ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ‏.‏ وَأَجَابَ أَبُو بَكْرٍ الشَّاشِيُّ بِالْمَنْعِ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَخْفَى، فَإِنْ عَلِمَهَا وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَلَا خِيَارَ وَلَا أُجْرَةَ، وَإِنْ جَهِلَ ثُمَّ عَلِمَ وَأَجَازَ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ لِبَقِيَّةِ الْمُدَّةِ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ، وَلَوْ وَجَدَ الْمُسْتَأْجِرُ بِهِ عَيْبًا وَفَسَخَ الْإِجَارَةَ أَوْ عَرَضَ مَا تَنْفَسِخُ بِهِ الْإِجَارَةُ - فَمَنْفَعَتُهُ بَقِيَّةَ الْمُدَّةِ لِلْبَائِعِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي لَا لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ مَنَافِعَ تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَلِأَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينَئِذٍ لَا مِنْ أَصْلِهِ‏.‏

خَاتِمَةٌ‏:‏

لَوْ أَلْزَمَ ذِمَّتَهُ نَسْجَ ثَوْبٍ عَلَى أَنْ يَنْسِجَهُ بِنَفْسِهِ لَمْ يَصِحَّ الْتِزَامُهُ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا يَمُوتُ قَبْلَ النَّسْجِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ شَخْصًا لِلْخِدْمَةِ وَلَوْ مُطْلَقًا عَنْ ذِكْرِ وَقْتِهَا وَتَفْصِيلِ أَنْوَاعِهَا صَحَّ، وَحُمِلَ الْإِطْلَاقُ عَلَى الْعُرْفِ فِي الْمُسْتَأْجِرِ وَالْأَجِيرِ رُتْبَةً وَذُكُورَةً وَأُنُوثَةً وَمَكَانًا وَوَقْتًا وَغَيْرَهَا، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ لِلْخَبْزِ بَيَّنَ أَنَّ مَا يَخْبِزُهُ أَرْغِفَةٌ أَوْ أَقْرَاصٌ غِلَاظٌ أَوْ رُقَاقٌ، وَأَنَّهُ يَخْبِزُ فِي فُرْنٍ أَوْ تَنُّورٍ، وَحَطَبُ الْخَبَّازِ كَحِبْرِ النُّسَّاخِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْعُرْفُ، وَعَلَى الْأَجِيرِ لِغَسْلِ الثِّيَابِ أُجْرَةُ مَنْ يَحْمِلُهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّ حَمْلَهَا إلَيْهِ مِنْ تَمَامِ الْغُسْلِ، إلَّا إنْ شُرِطَتْ الْأُجْرَةُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَتَلْزَمُهُ‏.‏ وَلَوْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا إلَى بَلَدٍ فَرَكِبَهَا إلَيْهِ رَدَّهَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي سَارَ مِنْهُ وَلَوْ رَاكِبًا لَهَا؛ لِأَنَّ الرَّدَّ لَازِمٌ لَهُ، فَالْإِذْنُ يَتَنَاوَلُهُ بِالْعُرْفِ، بِخِلَافِ الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا مَرَّ، إذْ لَا رَدَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِكِتَابَةِ صَكٍّ فِي بَيَاضٍ وَكَتَبَهُ غَلَطًا أَوْ بِلُغَةٍ أُخْرَى غَيْرِ الَّتِي عَيَّنَهَا لَهُ، أَوْ غَيَّرَ النَّاسِخُ تَرْتِيبَ الْكِتَابِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ - سَقَطَتْ أُجْرَتُهُ وَضَمِنَ نُقْصَانَ الْوَرَقِ‏.‏ وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِخِيَاطَةِ ثَوْبٍ، فَخَاطَ نِصْفَهُ مَثَلًا ثُمَّ تَلِفَ اسْتَحَقَّ النِّصْفَ مِنْ الْمُسَمَّى، إنْ كَانَ الْعَمَلُ فِي مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ بِحَضْرَتِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَقَعُ الْعَمَلُ مُسَلَّمًا، وَإِلَّا فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا، وَلَوْ تَلِفَتْ جَرَّةٌ حَمَلَهَا الْأَجِيرُ نِصْفَ الطَّرِيقِ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْخِيَاطَةَ تَظْهَرُ عَلَى الثَّوْبِ فَوَقَعَ الْعَمَلُ مُسَلَّمًا بِظُهُورِ أَثَرِهِ، وَالْحَمْلُ لَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ عَلَى الْجَرَّةِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِ الْقِسْطِ وُقُوعُ الْعَمَلِ مُسَلَّمًا وَظُهُورُ أَثَرِهِ عَلَى الْمَحَلِّ‏.‏ وَغَرَقُ الْأَرْضِ تَنْفَسِخُ بِهِ الْإِجَارَةُ كَانْهِدَامِ الدَّارِ، فَإِنْ تُوُقِّعَ انْحِسَارُهُ فِي الْمُدَّةِ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا مَضَى وَثَبَتَ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارُ، وَإِنْ غَرِقَ بَعْضُهَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِيهِ، وَلَهُ الْخِيَارُ فِي الْبَاقِي فِي بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ، وَهَلْ الْخِيَارُ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي‏؟‏ اخْتَلَفَ مُفْتُو عَصْرِنَا فِيهِ، وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخِي؛ لِأَنَّهُ خِيَارُ عَيْبٍ‏.‏ وَضَمَانُ الْعُهْدَةِ مِنْ شَخْصٍ لِلْمُسْتَأْجِرِ جَائِزٌ، وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ عِنْدَ ظُهُورِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَإِنْ تَوَجَّهَ الْحَبْسُ عَلَى أَجِيرِ الْعَيْنِ وَلَمْ يُمْكِنْ الْعَمَلُ فِي الْحَبْسِ - أَخْرَجَهُ الْقَاضِي مِنْهُ مُدَّةَ الْعَمَلِ تَقْدِيمًا لِحَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ، وَيَسْتَوْثِقُ عَلَيْهِ مُدَّةَ الْعَمَلِ إنْ رَآهُ كَأَنْ خَافَ هَرَبَهُ‏.‏ أَمَّا أَجِيرُ الذِّمَّةِ فَلْيُطَالَبْ بِتَحْصِيلِ الْعَمَلِ بِغَيْرِهِ، فَإِنْ امْتَنَعَ حُبِسَ بِالْحَقَّيْنِ‏.‏ وَلَوْ أَكْرَهَ بَعْضُ الرَّعِيَّةِ شَخْصًا عَلَى غُسْلِ مَيِّتٍ لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، أَوْ الْإِمَامُ وَلِلْمَيِّتِ تَرِكَةٌ وَجَبَتْ فِيهَا، وَإِلَّا فَفِي بَيْتِ الْمَالِ إنْ وَسِعَ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ‏.‏ وَلِلْأَبِ إيجَارُ ابْنِهِ الصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ لِإِسْقَاطِ نَفَقَتِهِ عَنْهُ، وَلَهُ اسْتِئْجَارُهُ كَمَا يَشْتَرِي مَالَهُ، وَلَوْ أَجَّرَ الْأَبُ لِابْنِهِ عَيْنًا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَوَرِثَهُ الْآخَرُ لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّهَا تَجْتَمِعُ مَعَ الْمِلْكِ، وَفَائِدَةُ عَدَمِ الِانْفِسَاخِ عَدَمُ تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، وَلَوْ خَلَّفَ الْمُؤَجِّرُ ابْنَيْنِ أَحَدُهُمَا مُسْتَأْجَرٌ مِنْهُ دُونُ الْآخَرِ فَالرَّقَبَةُ بَيْنَهُمَا بِالْإِرْثِ، وَالْإِجَارَةُ مُسْتَمِرَّةٌ‏.‏ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ سَفِينَةً فَدَخَلَ فِيهَا سَمَكٌ فَفِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ جَمَاعَةَ فِي فُرُوعِهِ، أَوْجَهُهُمَا أَنَّهُ لِلْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ مَنَافِعَ السَّفِينَةِ، وَيَدُهُ عَلَيْهَا فَكَانَ أَحَقَّ بِهِ‏.‏